خلود الكاتب عند بلقيس الكركي

 

* نشر في ساقية

تقول د. (بلقيس الكركي) في كتابها (إرادة الكتابة) حيث تصف صورة الكاتب لنفسه ومعنى خلوده خلال الكتابة،  في فصل “الرقباء: الذات” :

طالما أنك ستحيا الحياة على أي حال، فربما من الحكمة أن تلهي نفسك خلالها بانتظار شيء اخر غير الموت، بشيء تختاره أنت. طبعا قد يبدو من الغباء أن تختار العمر من أجل لحظات قصيرة تدرك فيها خلودك الحاصل أو المحتمل، إدمان المسير في طريق شائك يجرحك ويقتلك ويهدمك رويداً رويداً كل يوم، لكن الغاية تستحق، بلاشك، لسببين:

الأول (استغلال الموت): هو أن اللحظات القصيرة هذه في غاية الإغراء لأن فيها أقصى لذة ممكنة لبشر، لذة “كالأبد المؤقت في القصائد”، تجعل “طعم الموت” بعدها أخف وطأة لأنك عرفت طعم الأبد مؤقتاً. طبعاً قد تبقى حياتك غالية على قلبك، لكنها قد تصبح زائدة عن حاجة صورتك الخاصة إذا لم تعد الأخيرة مرهونة بما ستكتب لو عشت أكثر. أما الموت فيصبح عندها اكسسوارا مكملاً لما ألفت من نفسك، يصبح مجرد النهاية التي حضرت نفسك لها وحيداً، محض سطر قصير، حدث عابر أسفل الصورة، لكنه يكملها فيجعلها أجمل، تكون عندها قد هزمت الموت، لا بأن منعته، بل بأن غيرت دوره وجعلته في خدمة صورتك، فنحن نحب الموتى من العظماء أكثر.

الثاني (متعة الأوهام): هو أنك حتى لو لم تعش لحظات الأبد المؤقتة، فمتعة لابأس بها أيضاً هي الانتظار وتخيل اللذة التي قد تجتاحك فيما لو لم تفشل هذا  إن كنت تنهك نفسك حقاً في سبيل صورتك. فالانتظار احتمال، كل البشر ينتظرون أشياء ممكنة أو مستحيلة كي يحتملوا الحياة. طالما أن ملء نفسك بالأوهام والأحلام الوردية قد يقربك فعلا مما تنتظر فمثلا من يتوهم أنه شجاع قد يصبح حقاً شجاع، هذا سيجعلك تحتمل الحياة من أجل غاية مترفة تنتظرها بدل الموت و تعينك على ضجر العالم الرتيب. الإنتظار آداة تسيطر عليها وتستغلها  من أجل التأليف والوجود وزيادة احتمال الإحساس بمتعة الخلود.

شروط المثقف عند أنطون تشيخوف

1537064a67eefba5d87d7b

* نشر في ساقية

أنطون بافلوفيتش تشيخوف (1860-1904) هو طبيب وكاتب مسرحي ومؤلف قصصي روسي، يصفه البعض بأنه من أفضل كتاب القصص القصيرة على مدى التاريخ، ومن كبار الأدباء الروس. كتب المئات من القصص القصيرة التي اعتبر الكثير منها إبداعات فنية كلاسيكية، كما أن مسرحياته كان لها تأثير عظيم على دراما القرن العشرين. تم تجميع عدد من رسائله العائلية في كتاب يحمل اسم (رسائل إلى العائلة)، يرد فيه (تشيخوف) في رسالة إلى أخيه (نيكولاي) حين أرسل إليه يشتكي بأن الناس لا يفهمونه، فقال له:

إن الناس يفهمونك جيداً، وإذا لم تفهم نفسك، فذلك ليس خطأهم.

ثم خلال الرسالة يحاول (تشيخوف) أن يشرح له أن هذا بسبب أمر واحد وهو الإخفاق الوحيد في نظره فقال:

لديك إخفاق واحد، ويعود إليه زيف وضعك، وتعاستك واضطراب أمعائك. ويتمثل هذا الإخفاق في افتقارك التام للثقافة. سامحني، من فضلك، لكن-كماتعرف- للحياة شروطها. فمن أجل أن تعيش نرتاحاً بين المتعلمين، ولتتمكن من معايشتهم بسعادة، يجب أن تحوز قدراً محداً من الثقافة. إن الموهبة لتدخلك في مثل هذه الدائرة، فأنت تنتمي إليها، لكن، يتم سحبك بعيداً عنها للتأرجح بين المثقفين والمستأجرين.

ومن ثم يبدأ تشيخوف بوضع شروط يجب أن يستوفيها المثقفين في ٨ نقاط وهي :

١) احترم الجانب الإنساني في الشخصية، ولهذا السبب هم دائماً ودودون، دمثون، ومستعدون للعطاء. إنهم لا يتشاجرون بسبب مطرقة أو قطعة مفقودة من المطاط الهندي، وإذا عاشوا مع أحد لا يعدون ذلك منحة منهم، ويرحلون دون أن يقولوا “ليس بوسع أحد أن يعيش معك”، إنهم يصفحون عن الضوضاء والبرودة واللحم المقدد والنكات ووجود غرباء في منزلهم.

٢) يتعاطفون، ليس فقط مع المتسوليين والقطط. وتتفطر قلوبهم لما يرونه أو لا يرون. إنهم يسهرون الليل لمساعدة شخص ما، ولدفق نفقات الأخوة في الجامعة، ولشراء الملابس لأمهاتهم.

٣) إنهم يحترمون ممتلكات الآخرين، ولهذا يسددون ماعليهم من ديون.

٤) إنهم مخلصون، ويخشون الكذب كما تخشى النار. إنهم لا يكذبون حتى ولو في الأشياء الصغيرة. فالكذب إهانة للمستمع ويضعه في منزلة أدني بالنسبة للمتحدث. لا يتظاهرون، بل لا يتغير سلوكهم في الشارع عنه في المنزل، ولا يتعمدون الاستعراض أمام رفاقهم الأقل منزلة. لا يثرثرون. ولا يثقلون على الآخرين بثقتهم بأنفسهم. واحتراماً منهم للآخرين، فإنهم يميلون إلى الصمت أكثر من الكلام.

٥) لا يحطون من قدر أنفسهم للحصول على شفقة الآخرين. ولا يلعبون على شغاف قلوب الآخرين، ليجعلوهم يتنهدون ويستحوذون عليهم. ولا يقولون “يساء فهمي” أو “لقد أصبحت شخصاً من الدرجة الثانية”، لأن كل ذلك ليس سوى سعي وراء تأثير رخيص، ومبتذل وتافه وزائف.
هم لا يعانون من الخيلاء والغرور. ولا يحفلون بتلك الماسات الزائفة (أقصد المشهورين)، ولا يأنفون من مصافحة السكير، وينصتون إلى صيحات إعجاب مشاهد مشتت في معرض للصور الفتوغرافية، ويترددون كثيراً إلى الحانات.

٦) وإذا أبرموا صفقة متواضعة، فإنهم لا يتباهون كما لو كانوا عقدوا صفقة بمئة روبيل، ولا يعطون لأنفسهم أولوية على الآخرين. إن الموهوب الحقيقي دائماً مايحافظ-دوماً- على اندماجه بين الجموع، وبعيداً قدر المستطاع عن الإعلان، وحتى كرايلوف، قال- سابقاً- إن البرميل الفارغ يصدر عنه صدى صوت أكثر من البرميل المملتئ.

٧) إذا كانت لديهم موهبة يحترمونها، وضحون في سبيلها بالراحة والنساء والخمر والخيلاء. إنهم فخورون بموهبتهم، وبالإضافة إلى ذلك من الصعب إرضاؤهم.

٨) ينمون الحس الجمالي داخلهم. ولايستطعون الذهاب إلى النوم بملابسهم، ولايتحملون رؤية الشروخ ممتلئة بالحشرات، أو تنفس هواء فاسد، أو السير على أرض عليها بصاق، أو أن يطهوا وجباتهم في موقد زيتي. ويسعون قدر استطاعاتهم إلى كبح جماح رغباتهم الجنسية والسمو بها. وليس مايرغبونه في المرأة أن تكون رفيقة فراش، ولايطلبون المهارة التي تظهر عبر المضاجعات المتتالية. إنهم يرغبون،- خاصة الفنانيين منهم- بالأناقة، والإنسانية، والاحتواء، والأمومة. إنهم لايشربون الفودكا طوال ساعات النهار والليل، ولايتشممون رفوف الخزانات، لأنهم ليسوا خنازير، ويعلمون أنهم ليسوا كذلك. ويتناولون الشراب-فقط- عندما يكونوا غير مرتبطين بعمل أو في عطلة.

ثم بعد ذلك يعقب (تشيخوف) قائلاً:

لا يكفي على المثقف أن يقرأ “أوراق بيكويك” أو أن يحفظ منولوجاً من “فاوست”، فإن مايحتاجه المثقف هو العمل الدائم، ليل نهار، والقراءة المستمرة، والدراسة، والإرادة، فكل ساعة هي ثمينة بالنسبة له.

Screen Shot 2014-11-23 at 2.33.14 PM

للاطلاع على الرسالة

اللغة العربية والألماني غوته

Goethe

* نشر في ساقية

يوهان غوته (1749 – 1832) هو أحد أشهر أدباء ألمانيا المتميزين، والذي ترك إرثاً أدبيا وثقافياً ضخماً للمكتبة الألمانية والعالمية، وكان له بالغ الأثر في الحياة الشعرية والأدبية والفلسفية، وما زال التاريخ الأدبي يتذكره بأعماله الخالدة التي ما زالت أرفف المكتبات في العالم تقتنيها كواحدة من ثرواتها، وقد تنوع أدب غوته ما بين الرواية والكتابة المسرحية والشعر وأبدع في كل منهم، واهتم بالثقافة والأدب الشرقي واطلع على العديد من الكتب فكان واسع الأفق مقبلاً على العلم، متعمقاً في دراساته.

يقول غوته معبرًا عن اللغة العربية:

من المحتمل أن لاتوجد لغة ينسجم فيها الفكر والكلمة والحرف بأصالة عريقة كما هي الحال في اللغة العربية.

فمن خلال الكثير الذي نقل عن غوته فإننا نلحظ تأثره الكبير خلال شعره بالثقافة العربية الشرقية. حتى أنه حاول مراراً تعلم اللغة العربية، ويقول في ذلك وقد كان في مشارف الرابعة والسبعين من عمره :

نظراً للصعوبات الهائلة التي ترافق تعتم هذه اللغة العربية فإن أكثر ماحصلته منها كان عن طريق الغزو والإغارة عليها وليس عن طريق الدراسة المنتظمة وأنه لايجوز لي في الوقت الراهن الذهاب إلى أبعد من ذلك.

وله وصف للشاعر العربي الذي يستخدم بيئته – الحيوانات البرية والجبال والصحاري والأشجار وغيرها- جيداً لطرح أفكاره ويقول:

نجد أن كل شيء في نظر الشرقي مترابط ، وقد تعود على الربط المرتجل بين أبعد الأشياء عن بعض في أن يشتق المتضادات الواحد من الآخر بتعديلات طفيفة في الحرف أو المقاطع. ومن هنا نرى كيف أن لغته بذاتها، وبذاتها هي لغة منتجة، وهذا على نحو خطابي حينما تلتقي بالفكر، وعلى نحو شعري حينما تلتقي بالخيال.

وقيل إلى جانب كل هذا أن الشاعر غوته أدخل  مفردات فارسية وعربية على قصائده، كاستخدامه لمفردة “ديوان” أو مفردة “هدهد”، بالإضافة إلى الاستعارات الشعرية العربية غير الموجودة في التعبير الألماني كتعبير “وجهها كالقمر”. أما تأثره بالقرآن فيظهر جليا في هذه القصيدة “لله المشرق، ولله المغرب، والشمال والجنوب يستقران في سلام يديه”، وهي محاكاة واضحة لقوله تعالى في سورة البقرة “ولله المشرق والمغرب، فأينما تولوا فثم وجه الله”.

للاستزادة حول تأثر غوته باللغة العربية، نقترح كتاب “غوته والعالم العربي” من تأليف (كاترينا مومزن)، أو المقالة “غوته شاعر كوني تأثر بالإسلام” المنشورة على موقع الجزيرة.نت، ومقالة “كيف وجدت الكلمات العربية طريقها إلى لغة غوته“.

خطاب فيكتور هوغو عن البؤس

Victor_Hugo_by_Étienne_Carjat_1876

* نشر في ساقية

فيكتور هوجو ( 1802 – 1885) هو أديب وشاعر فرنسي، من أبرز أدباء فرنسا في الحقبة الرومانسية، ترجمت أعماله إلى أغلب اللغات المنطوقة. أثّر فيكتور هوجو في العصر الفرنسي الذي عاش فيه وقال “أنا الذي ألبست الأدب الفرنسي القبعة الحمراء” أي قبعة الجمال، وتعد رواية (البؤساء) من أشهر أعماله، والتي انعكست بدورها كأعمال مسرحية وسينمائية.

هذا الخطاب حول البؤس ألقاه فيكتور هوغو في الجمعية التشريعية الفرنسية، وهي المؤسسة الشرعية التي حلّت محل البرلمان الفرنسي بعد حله، في 9 يوليو 1849 (المصدر). وقد ترجمه للعربية الأستاذ (مصطفى القلعي)، وتم نشره بعد ذلك في العدد 53 من مجلة الدوحة الثقافية الشهرية، الصادرة عن وزارة الثقافة والفنون والتراث القطرية.  يقول في خطابه:

أنا ، أيها السادة، لست ممن يعتقدون أّنه بالإمكان إزالة الألم من هذا العالم، فالوجع قانون إلهّي. ولكّنني من بين الذين يعتقدون ويؤّكدون أّنه يمكننا القضاء على البؤس. لاحظوا جيدًا، أيها ّّ الّسادة، أّني لا أقول التخفيف منه ولا التقليل ولا حصره ولا الحد منه. (وإّنما) ّ أقول القضاء عليه. إّن البؤس هو مرض (أصاب) الجسد الاجتماعّي تمامًا مثل الجذام، المرض الذي كان يصيب الجسد الإنسانّي. فالبؤس يمكن أن يختفي مثلما اختفى الجذام. القضاء على البؤس! نعم، هذا ممكن! وعلى المشرّعين والحكّام أن يفكروا فيه دون هوادة. ففي قضية مهذه، بقدر ما لا يكون الفعل هو الممكن فإن الواجب يظل منقوصًا.

البؤس، أيها السادة، وسأنفذ هنا إلى صميم الموضوع، هل ترغبون في معرفة أين يقيم (البؤس)؟ هل تريدون معرفة إلى أين يمكن أن يؤول؟ إلى أين يقود، لا أقول في إيرلندا، لا أقول في العصر الوسيط (بل) أقول في فرنسا، أقول في باريس وفي العصر الذي نعيش فيه؟ هل تريدون وقائع؟

يا إلهي.. لن أترّدد في ذكر هذه الوقائع. إّنها وقائع حزينة، ولكّنها ضرورية للكشف. وإليكم، لو وجب القول، ما أفكر فيه كله، لا بد أن يخرج من هذا المجلس، وحول الحاجة التي أقدم مقترحها الشكلي، تحقيق رسمي كبير حول الحالة الحقيقية للطبقات الكادحة المعذّبة في فرنسا. أريد أن تنفجر كل الوقائع في اليوم الكبير. فكيف نريد أن برأ من الشر إذا لم نجسّ الجروح (التي خلّفها فينا)؟

إليكم، إذن، هذه الوقائع:

توجد في باريس، في ضواحي باريس التي هبّت عليها ريح الفتنة بيسر منذ عهد قريب، توجد أنهج وبيوت ومزابل حيث تختلط عائلات، عائلات بأكملها، (اختلاط) الحابل بالنّابل، رجال ونساء وفتيات شابّات وأطفال ليس لهم من الفراش والغطاء وكدت أقول من الملابس إلا أكوام نتنة من الخرق المتخمّرة الملتقطة من الوحل على زوايا الأرصفة. إنها مدن مزابل فيها تُقبر مخلوقات بشرية حية للإفلات من البرد شتاءً. هذه واقعة.

وإليكم وقائع أخرى: هذه الأيام الأخيرة، (ثمة) أديب، يا إلهي، أديب شقيّ، فالبؤس يصيب المهن الليبرالية بقدر ما يصيب المهن اليدوية، (ثمة) أديب شقيّ مات جوعًا، مات بسبب الجوع فعلًا. وقد علمنا، بعد موته، أنه لم يأكل منذ ستة أيام. هل تريدون شيئًا آخرًا أشد إيلامًا؟ الشهر الماضي، وخلال تفاقم الكوليرا، وجدنا أمّاً وأطفالها الأربعة يبحثون عن طعام لهم في بقايا جثث آدمية منتنة متراكمة في مونت فوكون (Montfaucon)!

نعم، أيها السادة .. أقول إنّ هنا أشياء وجب ألا تكون. أقول إن علينا كمجتمع أن يصرف كل قواه وكل عنايته وكل ذكاؤه وكل إرادته من أجل آلا تحدث أشياء كهذه. أقول إن مثل هذه الأحداث في بلد متحضر تلزم وعي المجتمع بأكمله، المجتمع الذي أشعر، أنا المتكلم، بأني شريك فيه ومتضامن معه. (أقول) إن وقائع كهذه ليست فقط أخطاء في حق الإنسان، بل جرائم في حق الله!

لهذا أنا شديد الاقتناع (بما عرضته) .. لهذا أريد أن يمتلئ كل من يسمعونني بالأهمية القصوى للمقترح المعروض عليهم. وهذه ليست خطوة أولى، وإنما حاسمة. أريد من هذه الجمعية، أغلبية وأقلية، لا يهم، أنا أعرف أغلبية وأقلية في مثل هذه المسائل، أريد من هذه الجمعية ألا تكون إلا روح واحدة للسير نحو هذا الهدف، نحو هذا الهدف الرائع، نحو هذا الهدف النبيل، إلغاء البؤس!

نعم، أيها السادة، أنا لا أخاطب فقط كرمكم، أنا أخاطب ما هو أكثر جدية من المشرّعين! وفي هذا الموضوع كلمة أخيرة (سأقولها) وأنهي:

أيها السادة، مثلما قلت لكم منذ حين، أنتم جئتم بمساعدة من الحرس الوطني والجيش وكل القوى الحيّة في البلد .. جئتم لتثبيت (أركان) الدولة المزعزعة مرة أخرى. فلم تتراجعوا أمام أي خطر. ولم تترددوا أمام أي واجب. لقد أنقذتم المجتمع المستقيم والحكومة الشرعية والمؤسسات والسلم العمومية والحضارة نفسها. لقد أنجزتم شيئًا مرموقًا .. نعم! هو: أنكم لم تفعلوا شيئًا.

أنتم لم تفعلوا شيئًا، أنا ألّح على هذه النقطة، مادام النظام المادّي الذي ثبتموه ليست قاعدته النظام الأخلاقي الوطيد! أنتم لم تفعلوا شيئًا ما دام خلفكم جزء من الشعب فاقد الأمل! أنتم لم تفعلوا شيئًا ما دام من هم في فورة الشباب، وهم القوة العاملة، يمكن ألا يجدوا خبزًا، وما دام الشيوخ الذين كانوا قد عملوا، يمكن ألا يجدوا مأوى، وما دام الربا ينهش شركاتنا، وما دمنا نموت جوعًا في مدننا، وما لم تكن بيننا قوانين أخوية .. قوانين إنجيلية تجمع على تقديم المساعدة للعائلات الفقيرة الفاضلة وللريفيين وللعمال والناس الطيبين.

إنكم لم تفعلوا شيئًا ما دامت روح الثورة تتخذ لها المعاناة الشعبية مساعدًا. أنتم لم تفعلوا شيئًا .. لا شيء، ما دام الرجل الشرير في هذا الفعل التتدميري، فعل الدياجير، الذي ما يزال مستمرًا تحت الأرض، يتخذ له معاونًا حتميًا الرجل الشقي.

إلى صديقي في العالم الموازي

صديقي في العالم الموازي، وأعرف جيداً بأنك كذلك.
لا أعرف كيف يكون لنا أصدقاء خياليون لا نعرف إن كانوا يشبهوننا أم لا. لكن بما أننا نعيش في عالمين لا يتقاطعان سأحدثك عن عالمنا الذي لا يبدو بهيجاً حقاً إلا أننا نحاول خلق البهجة فيه بأنفسنا وعبر صداقاتنا مجتمعة.
بالنسبة لعالمنا  فلا أتمنى كثيراً أن تعرفه حتى لا تحسبني جزء منه فتتخلى عن رفقتي وصداقتي.
عالمنا عالم وحشي. لا يأبه فيه الإنسان بالإنسان.
عالم أشعر بأنه يحاول مراراً أن يسحق البسطاء أمثالي إلا أن قوة ما تحميني.
قوة لا يصح انتسابها للبشر الفاسدين. تلك القوة الرحيمة التي لا تشبههم أصلا. تلك التي تقع علينا وتُصنع فينا.
أحياناً أخشى أن أكون مسخاً يشببهم في ذلك الفساد. ربما أشببهم دون إرادة حقيقة مني. رغم أني أحاول بكل قوتي أن لا أكون كذلك لكن لا أعرف كيف يحدث أن تصيبنا عدوى الحمق والجشع دون وعينا الكامل.
لكني في ذات الوقت أتمنى لو أكف عن الشعور بكل هذا التعب المرافق لي جراء مشاهدتي مايحدث حولي وعجزي. أدرك عجزي تماما. فإصلاح العالم لن يحدث على يدي. لكن كيف أكون شخصا جيدا في مجتمع تسوده الأنانية؟! تسوده الحروب؟! يسوده القتل الجماعي؟
هل أوجاعي مترفة ياصديقي؟ حيث أنني في مأمن حتى الآن بفعل تلك القوة الآلهية من أوجاع الحرب والدمار والفقر والجوع والأمراض وشر العالم السفلي والعنف.
هل أوجاعي التي أظن بأنها تسحقني هي أوجاع مترفين؟!
أم أن الوجع هو الوجع ولايجوز لي فصله واعادة تسميته؟!
يحتار أمري ولا أفهم حقيقة ذلك. هل ستساعدني على الفهم؟
في الحقيقة لا أتمنى أن يكون عالمك يشبه عالمي أبدا. أتمنى لك عالما مثاليا.وأتمنى أن أتجاوز عالمي إليه. وأخلد إليه وأراك. هل يتنفس حولك الموتى الذين رحلوا عن عالمنا؟ هل هم أصحاء ويبتسمون؟ هل هم خالدون وفرحون؟ إن في عالمي يتحدثون عن حياة أخرى خالدة سنصير إليها إن نجحنا في تجاوز المرارة والعبث الذي يلاحقنا بالإيمان والعمل اللذين يتجددان بفعل القوة الإلهية التي أخبرتك عنها منذ البداية. تلك الحامية والمانعة والمعينة. وكل ذلك لن يحدث إلا بعد أن ننتهي من هذه الحياة المقدرة لنا بزمن معين ومحدود.
أخبرني.. هل أنتم مثلنا؟ هل أنتم تعيشون داخل اطار زمني يشبهنا؟! هل يبغاتكم الموت فجأة في زقاق الحي المجاور؟ هل تقلع الروح من جسد الذين تحبونهم جراء رصاصة همجية خرجت من فوهة متعصب مغرور ؟ هل ينتهى عمر الرضيع بخطأ من طبيب يفترض أنه يحاول حفظ روحه ابتداء؟

لاأعتقد أنك تعيش بشكل يشبهنا وإلا مافائدة أن يكون هناك عالم آخر؟

هل أصابك الحزن؟ هل تتألم لأجلنا؟ أرجوك، لا تفعل.  فليس عالمنا مكمن لذلك فقط وإن كانت المأساة غلابة في كل حين، لكن في عالمنا هناك مستودع للجمال في مصدرين أحدها روح الإنسان وعقله والآخر ذلك الجمال الذي يوجده الخالق في بدائع صنعه من حولنا، سماء وأرض ونجوم وجبال وأنهار. كيف أصف لك ذلك؟! لا أعرف. لكن أود لو أخبئ لك معي صورا وموسيقى ولوحات وأتيك بها لتستوعب ما أعنيه. ولو أن كل الصور ستكون ناقصة أمام الرائحة المستودعة في قلب الأزهار، والأمواج المتحركة في سطح البحار، والغيوم المتلونة في بطن سماء المغيب.
لكن يظل هناك سؤال يطرح نفسه ويلح على أن أسألك..
هل حقا ستشعر بالمشاعر المعقدة التي تصيب من يعيشون في عالمنا لو رأيت تلك اللوحات، وذلك الجمال الذي لا يصير هزيلاً أبداً؟!
هل أنت مثلنا تحمل بين جنبيك مشاعر ونفسية تشبه نفسياتنا سريعة التعقيد؟!
تلك التي ترى الجمال فتحزن حزن لذيذ؟ ترتوي من عطش لتصير في عطش آخر؟ يذهب عنها أرق الوحدة فتصير في أرق الباحث عن ذلك الجمال؟

لا أعرف. ولن أعرف الجواب ربما مالم آتي إليك أو تأتي أنت. وهذا كما يبدو محاط بإستحالة مطلقة للآن فأنت فيما وراء هذا الوجود الذي يصعب أن يدركه عقلي البسيط.
لا عليك. المهم الذي يجب أن تعرفه عن تلك اللوحات و الفنون والموسيقى وليست أي موسيقى بل تلك التي تعرف كيف تسترق أنفاسي وتهبط على كأنها الحل الأبدي لكل مأساة تحاط بالإنسان، أنها هي ما أجدني فيها وتخفف عني وطأة الوجع.
هي ما أودعه الخالق العظيم في الإنسان ليخلق خلالها الحياة في الأرض. هل تفهم ما أقوله؟ أظن ذلك.
سأكتفي بهذا القدر الآن علي أحاول مراسلتك في وقت لاحق.

ف. س

قلقي ليس عادياً

لربما مادفعني للكتابة اليوم هو ذاته القلق الذي يدفعني لأكتب لأقرأ ولأثور أحياناً. القلق تجاه الحياة والعالم. يحدث ذلك في كل مرحلة أصل فيها لمفترق طريق أو هكذا كنت أظن إلى أن اكتشفت أن بعض الطرق نعود ونجد أن لها مفترقاً آخر لاحقاً في منعطف الزمن. أقلق كثيراً حين تمر علي أسماء روايات أو كتب لها وزنها الأدبي والفكري وأنا لم أقرأها حتى الآن، ليس القلق الذي يصيبني هو من النوع العادي بل ذلك الذي يجعلك تعود لوعاء عقلك لتلقي نظرة عليه وإذ بك تشاهد منظرًا مرعبًا جداً، مساحات خالية ليست تلك التي تضفي للوحات الفنية جمالاً على جمالها.. بل المساحات التي تؤكد كلما أمعنت النظر فيها بأن لا شيء يسكنها سوى صوت صفير الريح وصدى الفراغ المخيف. قلق يجعلني أتساءل أين كنت أعيش وفي أي الكهوف حتى أني لم ألتفت مرة للحياة داخل كتاب عظيم لفيلسوف مثل روسو أو مفكر كمالك بن نبي، أو داخل رواية بهذا العمق الذي أجده في روايات هيسه مثلا، تلك التي تتحدث عن ضياع الإنسان الطبيعي في الحياة باحثاً عن تجربته الخاصة وإيمانه الحقيقي. أما حين يمر اسم ديستوفسكي وتشيخوف وكافكا وتوليستوي ومانغويل و ماركيز وهيسه وغيرهم من عظماء هذا الفن أشعر بخجل ما يحوطني ويؤلمني كذلك. ربما لأني أظن بأن الوقت المناسب للقراءة كان يجب أن يكون قبل عمري الحالي ب١٠ سنوات على الأقل. كان يجب أن أكون أكثر نهماً للقراءة في ذلك الوقت. لكن لم يحدث ذلك مطلقاً حتى بلغت لتلك اللحظة التي شعرت فيها بزيف العالم فوجدت أن الأدب حتى حين يكذب يكون أكثر صدقاً من العالم الذي نعيش فيه، العالم الذي يحاول دفعنا دائما إلى الهاوية لكن برضانا الكامل، العالم الذي يحولنا أشباحاً ومسوخاً دون أن يعطينا حقنا في الإعتراض. استوقفتني قبل سنوات قليلة من الآن كل الكتب حتى البسيطة منها. أما الأخرى كروايات هيسه مثلاً وكانت تجربتي الأولى و الأعمق فقد انتشلتني لتدخلني دوامة لا أعرف لو خرجت منها أم مازلت أتبعها أو أدور داخلها، فرغم كل شيء فأنا دائما ما أجد في الحركة حياة أفضل من الركود الذي يشبه الموت. هل أقول بأني كنت ميتة في وقت ما؟ ربما.. ربما يحدث أن نعيش كما تعيش الزومبيز. وربما لا نعرف معنى أننا على قيد الحياة إلا حين نجرب الحياة قيد الموت أولاً. قد يغلب علينا ظننا بأن الرواية لاتعطينا مايكفي من المعلومات أو الإجابات وهذا صحيح لحد ما إلا أنها حتماً تتغلغل داخل نفوسنا وعقولنا وتحاول الربط بين الخفايا وذلك لتجعلنا نرى أو نستشعر الرابط اللامرئي بين الذهن والشعور.. هي تجعلنا نعيد شكل الحياة في أذهاننا وتصوراتنا.. فنرى وجهة جديدة أو على الأقل وجهاً جديداً يقبع داخلنا.. تعري إحساسنا أمامنا فنجد من يشاركنا الشعور الإنسان على الأغلب ذاك الذي لايفهم ولا نقدر على تفسيره أحيانا بصورة جلية في ضجيج عالم يمحي الإنسان بالكامل، مشاعر كالتي تتشكل في مسطحات قلوبنا إلا أننا نعجز عن وصفها والتعبير عنها كما يليق بالأحاسيس العظيمة.. فالرواية لها قدرة السحر لتفعل ذلك، فعل التعرية والتسلل للعمق. هي دائماً ما تكون خارج حدود الزمن لكنها لاتخرج عن إطار الحقيقة. الجدير بالذكر هو أني بودي لو أرسل آلاف الرسائل الآن لكل شاب وطفل من هذا الجيل، وأتوسل إليه بحب أن يتعلم من أخطاءنا أكثر وأن لاينخدع بالسراب الذي يظن أنه يروي في حصن الدراسة، ثانوية كانت أم جامعية، بل سأحاول أن أعصب عينيه جيداً لأجعله يدرك أن لخياله معنى فأحثه على التخيل، وأحفزه على أن يخرق الجدار كما فعل الخضر بالسفينة ليصل لما خلفه بروح ثاقبة، سأمده بالحبال ليتسلق كلمات الآخرين وعلومهم لينهل أو ليغرق أو يغرف لايهم الطريقة المهم أن يتخذ فعلاً ما ليصير غواصاً أوصائداً محترفاً مدركاً أن البحث والقراءة هي الطريق الذي يجدر لكل مرء السير فيه.
أما عني أنا فلم أعد أقوى إلا على التهام الكتاب تلو الآخر عبر جدولة معينة قد نخذل فيها بعضنا أحياناً وذلك تبعاً لمزاجي وتقلبات الظروف إلا أني قدر الإمكان أتثبت لأحصل على قوتٍ يوميّ يتقوى به عقلي وتتكئ عليه روحي في مجابهة الحياة.

جورج أورويل ودوافعه للكتابة

جورج أورويل

* نشر في ساقية

جورج أورويل (1903-1950) هو صحافي وروائي بريطاني. كتب أورويل في النقد الأدبي والشعر الخيالي والصحافة الجدلية. اشتهر بروايتيه (1984) و (مزرعة الحيوان)، والتين تم بيع نسخهم معا أكثر من أي كتاب آخر لأي من كتاب القرن الواحد والعشرون. يقول جورج أورويل في مقالة له عن دوافعه للكتابة، وعن السؤال “لماذا أكتب ؟” فيقول:

أعتقد أن هناك أربعة دوافع للكتابة على الأقل عند كل كاتب، وتكون بنسبة متفاوتة من وقت لآخر حسب جو العالم الذي يعيش فيه، وتلك الدوافع هي:

١) حب الذات الصرف: الرغبة في أن تكون ذكياً، أن يتم الحديث عنك، أن تُذكر بعد الموت، أن تنتقم من الكبار الذين وبخوك في طفولتك.. إلخ،، من الهراء التظاهر بأن هذا ليس بدافع، بل دافع قوي. الكتَّاب يتحلون بهذه الصفة إلى جانب العلماء والفنانيين و السياسيين والمحاميين والجنود ورجال الأعمال الناجحين، باختصار لدى كل النخب الإنسانية. الغالبية العظمى من البشر هم أنانيون تماماً، بعد سن الثلاثين يتخلون تقريباً عن وعيهم بفرديتهم بالكامل، ويعيشون بشكل رئيس من أجل الاخرين، أو يسحقون ببساطة تحت وطء العمل الكادح، لكن هناك أيضاً أقلية من الأشخاص الموهبين والجامحين المصممين على عيش حياتهم حتى النهاية، أو الكتاب الذين ينتمون إلى هذه الطبقة، ينبغي على القول أن الكتاب الجادين هم في المجمل أكثر اختيالاً وأنانية من الصحفيين، لكن أقل اهتماماً بالمال.

٢) الحماس الجمالي: إدراك الجمال في العالم الخارجي، أو من ناحية أخرى في الكلمات وترتيبها الصحيح. البهجة من أثر صوت واحد على الاخر. في تماسك النثر الجيد أو إيقاع قصة جيد. الرغبة في مشاركة تجربة يشعر المرء أنها قيمة ويتعين عدم تقويتها. الدافع الجمالي واهن جداً عند الكثير من الكتَّاب، لكن حتى مؤلف الكتيبات أو الكتب المدرسية ستكون لديه كلمات ومصطلحات مدللة تروق له دون أسباب نفعية، أو قد يهتم بقوة بأسلوب الطباعة، واتساع الهامش.. إلخ، فوق مستوى دليل القطارات، لايوجد كتاب يخلو من الاعتبارات الجمالية.

٣) الحافز التاريخي: الرغبة برؤية الأشياء كما هي، لاكتشاف حقائق صحيحة، وحفظها من أجل استخدام الأجيال القادمة.

٤) الهدف السياسي: باستخدام كلمة (سياسي) بأشمل معنى ممكن، الرغبة في دفع العالم في اتجاه معين؛ لتغيير أفكار الآخرين حول نوع المجتمع الذي ينبغي عليهم السعي نحوه. مرة أخرى، لايوجد كتاب يخلو من التحيز السياسي، “الرأي القائل أن الفن ينبغى ألا يربطه شيء بالسياسة هو بحد ذاته موقف سياسي”.

حس الحقيقة

هل يأتي وقت نفقد فيه مقدرتنا على الكتابة حقا! أم أن كل مانخشاه هو مواجهة تلك الحقائق المفجعة التي تحدث في القلب، تلك التي نعي مؤخرا وجودها الحتمي في الحياة! إن القدر وحده كفيل لأن يختبر صدق اعتقاداتنا.. وصدق نوايانا.. كان كفيلا بأن يأخذني لسراب الصمت الذي أضجرني خواءه. لم يكن الصمت يوما خاويا إلا حين تجرد عن المعنى! مامعنى أن يكون القدر هو الفيصل و النهاية؟ إنه الغيب الذي يثير الغموض الذي يسير فينا رهبة كبيرة، فيعطي للعقل اشارة بأن يحاول ماديا إيجاد أسباب منطقية لكل مايحدث. حيث لا يوجد من الأسباب التي يجلبها المنطق أحيانا مايكفي في المواقف الغيبية إلا فلسفة الوجود الكبرى التي تنطوي بوجود الخالق وحكمته وإرادته المطلقة التي يفشل العقل عن إرادها.
إذا فإيمان القلب هو دليل المسافر في الحياة، صاحب الأرجوحة ومالك التفاصيل الصغيرة التي تعرف كيف تدمج ألوان المواقف لتظهر لنا بصورة تجمل الحياة. إيمان القلب هو المعنى الذي لا ينضب ويجب أن يتسع وينساب فينا ، ذاك الذي يكون بوصلة الإستمرار في الشعور. والشعور هو حس الحقيقة.

لست كاتبة و لكني أكتب ٢

The-Tree-Of-Life

عن اللوحة :
غوستاف كليمت | Gustav Klimt
كانت لوحته التي تسمى بشجرة الحياة مدخلاً لكتابة رقعتي التي ألقيت فيها حبر أحرفي المتشبعة بإرادة الحياة. لا أعرف أن أخلق نصاً مفعماً بالحياة كلوحة السيد كليمت، لكن أملك إرادة الحياة، أملك وجع الحياة وضدها. أنا أملك الأضداد.
يقال بأن تفسير هذه اللوحة تقع في تعقيد الحياة وحتميتها، حيث الجذور تعني مولدنا ونمونا بهذا التعقيد وأكثر إلى حيث نستطيع أن نلمس السماء بأطراف أصابعنا أو بأجنحتنا حيث اللحظة الأبدية التي يقف فيها الزمن. ولكن مايحصل في النهاية هو العودة الحتمية للأرض حيث كانت البداية نعود في النهاية.

عن الحياة :
حيث كانت تسير على أطراف أحلامها بتفاؤل وتقفز بين حين وآخر وتسابق الزمن، كانت تلقى مصيرها يصرخ في وجهها لتقف فلا مجال للحياة من حيث لم تعرف المعنى من أن تسير خلف حلم. ومن معنى تحقيقه.

ثم حكت لي ذات مرة :
لم تكن تثق بكل مايقال لها عن التفاؤل والأمل رغم أنها تعتقد بأنهما الحل الأمثل لمواجهة الحياة. كانت في كثير من المواقف وبإصرار شبه متعمد أن تسخر من التفاؤل وتسخر من المتفائلين بالجملة. كانت تعني كلماتها حرفياً بأنهم ساذجون فهم يحاولون أن يحجبوا قبح الواقع المحتوم ويجملوه بالوهم والخداع. كانت تتأمل في المعنى طويلاً وتبحث فيما وراء المعنى لأنه لا أسهل من إدعاء الفرح بإبتسامة مصطنعة وإدعاء السعادة بخلق قصص وتحويرها وهي لم تقع في حياتهم بعد. السعادة تعرف كيف لا تستجيب لكل أولئك الذين يطمحون لها وهم واقعون تحت تأثير الكسل، واللامعنى، الواقعون تحت تأثير المؤقت و المحدود، وفي فخ المثالية المفرطة.

كان جيداً لها أن تفعل ذلك يعني أن لا تكون سلبية ومتشائمة لكن لاتحاول أن تقنع بالتفاؤل الرخيص الذي يروج إليه كل أحد، كان مفيداً لها أن تتألم كثيراً، وأن تشك في كل مهرج يحاول أن يكتب تجربة من اللاشيء كذباً محاولاً خلالها إقناعها بقشرة سطحية لا تتشكل إلا بعد عوم طويل داخل النفس بقوله: “الحياة حلوة أو مافي شيء مستحيل”. كان صحياً أن تكفر تماماً بنتاج تجاربهم لتترك لذاتها أن تسقط في أبعد نقطة يمكن الوقوع أن يوصلها إليها. حتى تؤمن بأن كل وقوع صادق له مخرج أكثر صدقاً. كانت خلال وقوعها تمر بتجاربها السابقة وبالقديم المتكدس في أسطوانات الماضي. اكتشفت الكثير وترآئت أمامها مشاهد صامتة لم تعد تتذكرها. وحين وصلت للبقعة التي رمتها فيها الحياة بقبول منها، في تلك اللحظات ووسط الضباب واللارؤية فقط اتضح شيء ما أمامها أخيراً، كان رقيقاً ودوداً يحاول أن يغريها بهالته التي تشع من خلاله، هو لم يلح عليها أن تتشبث به، لم يكن شيئاً واضحاً، وكأنه إيمانها المزروع في داخلها والمنسي تماماً، ذاك الذي لا نصل إليه إلا حين نواجه أنفسنا بصدق. في ذلك الوقت كانت تشعر بأن وعيها لا يكاد يعي ولاوعيها بدأ بأن يكون واعياً فكل شيء تمر فيه لم تعد تعرفه بمعنى واضح إلا تلك الهالة التي بدأت تتضح أمامها وتكبر في داخلها مخالطة ألمها برفق، كانت تحاول أن تقول بلغة بسيطة أخيراً بدأتي إدراك ذاتك. فلا شيء آخر نستطيع خلاله اقتحام الحياة سوى تآملنا الواعي بقوتنا الداخلية حيث أنها السبيل إلى الحياة. هذا هو الأمل الذي يروض الحياة ويبقي لها نبضاً يضعف أحياً ويزداد قوة أحياناً أخرى.
لست أحاول القول هنا بأن ماحدث لها كان بسيطاً وأن الوقوع هو الحل الوحيد وأن التفاؤل جرعة سامة، لكن الحياة لا تأتي إلى أحد، لا جدوى إلا في السعي إليها خلال إنسانية تقبع في أعماق الإنسان، لا تتضح إليه دون أن يصرعلى أن يجدها. قالت لي: اتركي سطوة الإنسان الباحث عن الجمال تكبر فيك واتركي المعاني الجامدة ولا تطيلي النظر فيها. كل شيء قابل لأن يكون على النحو الذي نريد له أن يكون بصورة أو بأخرى، إلا أن الزيف قابل لأن يتسلل ويندس وهو كل مايجب أن نخشاه.
لا أعرف إن كنت أصدق كل هذا أو أقر فيه لكني أجد نفسي دائما أميل لأن أقبل بالوجه الأزرق من الحياة أكثر من الوردي لكن الأزرق يعطي المعاني وتناقضاتها ولا نشعر خلاله بأن شيئا ما يرفض الآخر. فلو تخيلنا أن الكدمات زرقاء فإن السماء التي تستقبل الصلاة والأحلام زرقاءة أيضا !!

لست كاتبة ولكني أكتب ..

tumblr_m4rqjzJcRx1roagc8o1_1280
لست كاتبة ولكني أكتب..
طوال يومين وهذه العبارة تراودني وتحثني على الكتابة أكثر. وأحاول أن أخرج بقيمة لمعنى الكتابة التي أقوم بها. لا أعرف على وجه اليقين إن كان يهمني أن يلتقي أحد بي هنا أم لا.. لكني أريد أن أعرف رأيكم لو كنتم تمرون.
ثم دعونا نتفق لو أنكم تقرأون كلماتي وخربشاتي التي أكتب، ما رأيكم لو تشاركوني شيئاً مما تكتبون فسأسعد بكم حقاً. لأني على يقين بأننا جميعنا نكتب للحياة، نكتب خلال أفكارنا وموسيقانا المفضلة، خلال كتّابنا وعناوين قصصنا التي نحب، خلال لوحات أوتأملاتنا الخاصة، وخلال كل ذلك وأكثر نكتب .. ونكتب ..

هل تعرفون مالذي أتمناه الآن؟!

أشتهي هذه اللحظة أن أكون سمكة تتدحرج على ورقة وتغرق في بحر الكلام، وتعوم إلى الأبد.