نظرة محمد إقبال إلى حرية الاختيار وعلاقتها بالقدر

* نشر في ساقية

محمد إقبال (1877 – 1938)، هو أديب وفيلسوف إسلامي هندي. وهو شاعر، تأثير به الكثير من الأدباء العرب. وهو أوائل المنادين بفصل باكستان عن الهند في أوائل القرن الماضي.

يقول (محمد العربي بوعزيزي) في كتابه (محمد إقبال، فكره الديني والفلسفي)، مجيبًا على السؤال: كيف نظر محمد إقبال إلى مسألة حرية الاختيار وعلاقتها بالقدر؟

يقر إقبال قدرة الإنسان على اختيار أفعاله، ويذهب إلى أن تعيين مواقيت الصلاة يحقق حرية الإنسان في قيادة نفسه وامتلاك زمامها، ويحررها من آثار الآلية الموجودة في النوم والعمل بإعتبار أن الصلاة خلاص للنفس، ينقذها من الآلية إلى الحرية، ويقول في هذا الشأن: “الحق أن القرآن يقر حقيقة كبيرة الأهمية من حقائق النفس الإنسانية، تلك هي الإرتفاع والانخفاض في قدرة الإنسان على اختيار أفعاله. وهو يحرص على بقاء القدرة على حرية الاختيار في الفعل بوصفها عاملاً ثابتاً لا يتناقض في حياة النفس“.

كما أن إقبال يعترف بالقدر ويعتبره جديراً بالاعتبار، إذ القدر يعطي للنفس الإنسانية قوة عظيمة على مواجهة الضرورات التي لا مفر منها فيتقبل المرء القدر بخيره وشره وأن الإيمان طريقة حيوية تقوم على الاستجابة المطلقة لضرورات الواقع الذي يعكس الزمان المتجدد بما ينطوي عليه من خلق وإبداع. كما اعتقد أيضاً بأن الإيمان ليس مجرد اعتقاد سلبي في حكم و أحكام من نوع معين، وإنما هو طمأنينة حية متولدة عن تجربة نادرة لا يسمو إليها وإلى ماتتضمنه من (القدر) الأسمى إلا الشخصيات القوية، بحيث تفنى إرادة المؤمن في إرادة الله المطلقة ( القضاء والقدر) فتكتسب بذلك حيوية وصلابة.

قصة صداقة وفن: مروان قصاب باشي.

مروان قصاب باشي، صاحب ريشة كثيفة وترسم بشيء من التجريد، تحاول أن تتفرد في رسم سر ما على الوجوه، كأنها طرق وعرة، وقسمات شوهها الواقع، أو ربما ظل المعنى في بطن شاعرية مروان الفنية. يطرح فنه بطابعه الدمشقي في صفوف برلين. طفت هويته في كل عمل له، و خلال خطواته الفنية شديد الثقة بما يملك من موهبة ربى فنه.

مروان دمشقي، درس في برلين، وكان يتمنى أن يبدأ فنه من باريس وخلال باريس.. لكن برلين من فتحت أبوابها متسعة له، ومع هذا لم يترك لبرلين أن تذيب مروان وتفاصيل هويتيه الدمشقية الدقيقة، فحتى الطبيعة التي رسمها كانت طبيعة شرقية.

يقول هو شخصيا عن سبب اهتمامه تحديدا برسم الوجه: أتصور أن الرؤوس والوجوه هي قصتي الذاتية على المستوى الفني. وقد قال عن فنه بشكل عام أيضاً: عن التجريد في عملي فهو كلام خطير لأنني أعتقد أن عملي ليس تجريدا بالمعنى السائد للتجريدية، وأنا أنطلق من واقعي الخاص وأسعى إلى تحويل الطبيعة العامة إلى طبيعة خاصة مرتبطة بضميري الفني، فالتجريد قد يفهم أنه العمل غير المفهوم، لكني أفهم التجريد أنه غموض موجود في كل شيء.

هنا بعض أعماله :

ds_10770

ds_10768

 

ds_10773ds_12318 ds_12319

لربما الطريقة التجريدية التي يستخدم فيها فرشاته تبعد تفاصيل شخصيته التي انعكست جلياً خلال رسائله مع عبدالرحمن منيف التي أصدرت في كتاب “في أدب الصداقة” لكن فنه يظهر حساسيته العميقة وثقافته. فقد قام مروان بعد وفاة الأديب الكبير عبدالرحمن منيف بجمع رسائلهما وطبعها في كتاب.  وهذا العمل يدلنا لأمر مهم، وهو أن مروان لم يكتفي باستخدام فرشاته ليعكس نفسه، بل هو أضفى لهذا الوجود حرفه الذي نمى بينه وبين صديقه، فقد كان شفافا وغزيراً، والأهم من ذلك أنه صادقاً، وتجلى فيه معنى أن تكون صديقاً لشخص فرقت بينكما الدروب وباعد بينكما الزمن.

في القصاصة بالأسفل كتب مروان لعبدالرحمن: ما أصعب البعد مع لهفة اللقاء والشوق..
ثم كتب في آخر القصاصة: هذه رسالة سريعة وللتعود على الكتابة من جديد.
حين كتب “من جديد” فإنه يذكرنا أنهما ليسوا على تواصل دائم دون انقطاع.
بل خلال الرسائل نلحظ كيف يحصل الإنقطاع المفاجئ للرسائل ثم عودتها مرة أخرى بكثير من النقاش والشوق دون الالتفات طويلاً لسبب الانقطاع ولا الوقوف عنده، فأحدى رسائل عبدالرحمن لمروان يتفقد فيها أحواله حين أطال في عدم كتابته الرسائل قائلاً: هذه بداية لعودة رسائلنا التحشيشية، أي نكتب كل مانفكر به… فالأصدقاء يسلمون كثيرا ويسألون وينتظرون.
ثم يرد مروان على رسالته: فرحت برسالتك ووضعتها في جيبي وأخرجتها أكثر من مرة لأستعيد الفرح.

wpid-20150325_200212-1.jpg

ومن الجميل التنويه على أن كل هذه المراسلات لم تكن بغرض النشر، وإنما هي قصة صداقة كما ذكر فواز طرابلسي في خلف الكتاب. فإضافة إلى أن مروان كان يثق بنفسه جدا على أنه فنان متفرد، فرسائله تشي لنا بأنه توافق بشكل ما مع أدب عبدالرحمن بقوة حرفه وغزير ثقافته.

هنا مقابلة مع مروان في الجزيرة نت ، وهنا أخرى في الاتحاد.

فنان منسي: حليم الرومي

 

لا تتشابه ألقاب الفنانة ماجدة الرومي والفنان حليم الرومي مصادفة، بل حليم الرومي يكون والد الفنانة القديرة ماجدة وصانعها الأول. ومن الغريب جداً أن قلة ونادرة جداً  في زماننا هم من يعرفون هذه الصلة، إلى جانب معرفتهم بمجد المطرب والفنان العظيم “حليم الرومي”.

حليم الرومي في الحقيقة، لم يعتني بتجربة ابنته ماجدة الرومي وصوتها وامكانتها فحسب ولم يورثها فنه وحيدة، بل وقف أيضاً إلى جانب أشهر مطربات لبنان، وهي السيدة فيروز، حيث كما قيل: التقى الموسيقار حليم الرومي بالمطربة فيروز في اواخر الأربعينيات حين تقدمت لامتحان القبول في إذاعة لبنان، اعجب بصوتها وقدم لها اول لحن «تركت قلبي وطاوعت حبك» عام 1950″. كما أنه قد عمل معها في دويتو “الورد”

8fa4a

بدأ حليم الرومي فنه من بلاد الشام (حبفا)، وأجازه معهد الموسيقى وهو في الرابعة عشر من عمره ليكون مطرب ناشئ، لكن شهرته التي أعطته لقب فنان هي مصر العريقة وأم الفن حين تبنت الإذاعة المصرية أولى حفلاته، وكما هو معروف فإن كل فنان يشرق من مصر ثم تنشر مصر شعاع اسم وفنه وموهبته في أرجاء الدنيا، إن مصر صانعة العظماء بلاشك. 

له عدة أعمال عظيمة، ووضع بصمة في إدارة الإذاعة اللبنانية، حيث عمل جاهداً لرفع مستوى الفن في لبنان في ذلك الوقت، وقيل أنه ساهم وطور فن الموشحات حيث قيل: عالج الرومي الموشح بطريقة جديدة وهي ترديد المجموعة أي ‘الكورس’ للبيت الأول منه وبعد كل جزء من أجزائه أو جزء من الخانات التي ينفرد فيها المغني أما أداء الخرجة فكان يؤديها، ‘الكورس’ مع المغني المنفرد. ولهذا قيل أنه جمع بين الأسلوب المصري والحلبي في أداء الموشحات. وأشهر موشح له هو “غلب الوجد عليه” وهي من كلمات الأديب محمود سامي البارودي. 

في الحقيقة أن حليم الرومي له إنتجات غزيرة جداً، فله مايقارب آلفي عمل، كما أنه خلال عمله في الإذاعة اللبنانية أستطاع تقديم الكثير من الأصوات الناجحة والمميزة، حيث أنه اكتشف تلك الأصوات ودربها وعاملها بإهتمام إلى أن اكتسبت تلك المكانة. تميزت أعماله في مجملها بالعمق والأصالة الفنية، وتناولت مختلف الألوان الغنائية والموسيقية المعروفة في الغناء العربي، وتميّز إنتاجه بالقصائد والموشحات والأوبريتات، أهمها قصائد: «إرادة الحياة»، «ومضة على ضفاف النيل»، «عطر» و«البحيرة»؛ وموشحات: «غلب الوجد عليه فبك»، «يرنو بطرفٍ فاترٍ»، «يا أهيل الحي» و«وجب الشكر علينا»؛ وأوبريتات: «القطرات الثلاث»، «مجنون ليلى» و«أبو الزلف»؛ وأغاني: «لا تغضبي»، «سلونا» و«هنا تقابلنا سوى». 

هنا بعض أعماله المتميزة : 
إذا الشعب يوماً أراد الحياة
اسمع قلبي وشوف دقاته
غلب الوجد عليه 

وثائقي قصير يتحدث عن الفنان حليم الرومي
https://www.youtube.com/watch?v=haSMQRN_Y_g

حرية الإنسان عند جان جاك روسو

* نشر في ساقية

جان جاك روسو (1712 – 1778) هو كاتب وفيلسوف جنيفي، يعد من أهم كتاب عصر التنوير، وهي فترة من التاريخ الأوروبي، امتدت من أواخر القرن السابع عشر إلى أواخر القرن الثامن عشر الميلاديين، وهي حركة سياسية، اجتماعية، ثقافية وفلسفية واسعة، اشتهرت فترة التنوير بكل أشكال الفكر الذي يريد تنوير عقول من الظلام والجهل والخرافة، مستفيدا من نقد العقل ومساهمة للعلوم. الجدير بالذكر أن فلسفة (روسو) قد ساعدت في تشكيل الأحداث السياسية، التي أدت إلى قيام الثورة الفرنسية. حيث أثرت أعماله في التعليم والأدب والسياسة. يقول (جان جاك روسو) في كتابه الشهير (دين الفطرة):

الإنسان فاعل حر. فعله إذن منه، ومايفعله بإرادة حرة لايدخل في النظام الذي اختاره الخالق بتدبيره وحكمته، فلا يجب إضافته إليه. الرب، المدبر للكون والساهر عليه، لايريد الشر الذي يقترفه الإنسان بالإسراف في استغلال الحرية المخولة إليه. لايمنع حدوثه، إما لأنه بلا تأثير نظراً لتفاهة فاعله، وإما لأن منع الشر لا يتم إلا بنفي حرية البشر وهو شر أكبر إذ يطعن في قيمة الإنسان الذي أوجده الرب لا ليفعل الشر بل ليُقبل على الخير مختاراً. ولكي يختار وفر له القوى الضرورية لذلك، مع وضع حد لها حتى لا يُخل الإفراط في الحرية بتوازن الكون. الشر الذي يفعله الإنسان يعود عليه بالضرر بدون أن يؤثر سلباً على النظام العام وبدون أن يمنع الجنس البشري من أن يواصل، مهما فعل، مسيرته. من يتذمر من أن الرب لا يثني الإنسان عن فعل الشر يعترض في الواقع على أنه حاباه بطبيعة ممتازة وأضفى على أفعاله صفة الأخلاق التي تزيدها شرفاً و تكريماً، إذ بها ندبه إلى التحلي بالفضيلة. أيه سعادة أكبر من الشعور بالرضى على النفس؟ وحتى نستحق تلك الغبطة وضعنا فوق هذه الأرض أحراراً لنختار، وبلانا بالشهوات ليمتحننا ووهبنا الضمير لنقاومها. هل كان في وسع القدرة الربانية نفسها أن تهب لنا أكثر مما فعلت؟ أكان وارداً أن تضع الصراع والتناقض في قلب طبيعتنا وتجازي على الخير من لا يقوى على الشر؟ ويحك أيها المتذمر! حتى لا يكون الإنسان شريراً أكان على الباري أن يسجنه في حدود الغريزة ويجعل منه بهيمة؟ جاشاك ربي ومالك روحي أن ألومك أبداً إذ جعلتني على صورتك لأكون مثلك حراً وخيراً وسعيداً.