وأنت، كيف حالك؟

من يقنع العود إذا فقد أحد أوتاره، بأنه لايزال قادر على صياغة اللحن دون أن يكون نشازًا ؟ هذا السؤال هو الجواب على سؤالك لي، كيف حالكِ؟ فأنا العود فاقد الوتر، وأنا النشاز أيضًا .. لكن لا بأس، سأحاول تجاوز الحال، وأحكي لك عن المحاولات المستميتة لصياغة يوم متماسك مستبصرة أحداث العالم ..

أقرأ عدة كتب هذه الأيام في نفس الوقت، ومن الكتب التي أثارت فضولي واهتمامي بشكل خاص، كانت عن (الانتحار) من قبل عالم النفس Jesse Bering فهو يطرح عدد مختلف من الموضوعات، وتطرق للانتحار في كتابين، الأول A very human ending والثاني هو Suicidal (why we kill ourselves)، قد بدأت الكتاب الأول مصادفة قبل انتحار سارة حجازي بعدة أيام. الكتب بحسب بحثي لم تترجم حتى الآن لللغة العربية مع الأسف، لكن لغة الكتاب ليست صعبة لذلك الحد، فهو يكتب بأسلوب القصة الصحفية وهي الطريقة الأسهل ربما للتلقي والمتابعة خصوصًا في موضوعات علمية. صحيح، أحب أن أنوه، لست هنا لأكتب عن الانتحار، ولا عن قضية سارة فلا أود أن تنتظر ولا أن ينتظر رأيي أحد.

في هذه المرحلة منذ مايقارب أكثر من عام، انفر بشكل متكرر من جو السوشل ميديا، أتابع -أحيانا- بصمت، وغالبًا لا أكون متواجدة، ولا أعرف مايدورفي ذلك العالم أكثر من كمية مستفزة من الكراهية، والعنصرية والقرف، تنعكس على نفسيتي بطريقة سلبية ومؤذية جدًا، ولا أعرف إن كنت سأتجاوز تلك المشاعر قريبًا لذا قررت بشكل لا إرادي الإبتعاد عنها قدر المستطاع، وتركها بقدر مايمكن، فمن يقرأني معك الآن ويود التواصل، يمكنه مراسلتي مباشرة عبر بريدي الالكتروني، وهذا أفضل بكثير. دعني أحكي لك هذه القصة، قبل أكثر من عام على ما أظن، قد حصل معي موقف طريف، ومخجل في الوقت نفسه، كنت قد تواعدت مع مجموعة من الفتيات في اسطنبول عن طريق تويتر بأن نلتقي ولم أحدد في محاثتي معهم أي وقت أو يوم أو ساعة، وألغيت حسابي في تويتر ونسيت الأمر، بعدها بأيام، بعثت لي أحدهن ايميل، تخبرني فيه بالموعد واليوم والساعة، وفي اللقاء، ضحكنا على طريقة الاتفاق تلك، فهل سبق لك في عام 2018 أن تواعدت لموعد لقاء عبر الايميل، كأنه اجتماع عمل؟ نعم، أنا وصديقات اسطنبول فعلنا واعترف أن السبب وراء ذلك و سوء مزاجي وتواصلي بكل أسف.

لنعود للحديث المفيد – لحد ما- فقد تابعت مؤخراً :
– وثائقي I am not your negro
– وأقرأ حاليًا كتاب: تمثيلات الآخر، صورة السود في المتخيل العربي الوسيط لد. نادر كاظم. بدأته في فترة ما، وتوقفت، والآن أعود له مرة أخرى.

وقبل النهاية، يرد ساراماغو على كل من يتهمه بأنه انسان متشائم قائلاً: “بل عالمنا هو المشؤوم”. وأظني أصدق جملته تمامًا. ويكمل فكرة التشاؤم مؤكدًا، بأنه “علينا مواجهة قسوة العالم بقسوة تعادلها”. وله حديث مطول ومقنع حول هذا الأمر. هذه ليست دعوة للتشاؤم، ولا للتفاؤل، ولا اقناعك بشي لاتريد رؤيته وإبصاره،كل مافي الأمر، أنه علينا أنا وأنت والجميع، أن نكون يقظين بما يكفي لأجل وعينا الخاص، رغم أن المعرفة مؤلمة لكن الوهم مرض عضال.

بعد كل هذه الثرثرة، غالبًا وبدون أي وعد مسبق، ستكون تدوينتي القادمة عن الموسيقى، فلدي الكثير الذي أود الحديث فيه .. ولا أعرف لماذا كلما بدأت توقفت … وأنت، كيف حالك؟

ليلى الذئب!

النظر إلى المرآة يفزعها، 
لاترى شخصًا سائلاً، 
ولا ترى عينًا تائهةً، 
ولا تلمح ثقوبًا في رأسها أو في جسدها 
ولا ترى بطبيعة الحال، وجهًا وديعًا، مبتسمًا، جميلاً، كما هو في حقيقته.
إن كل ماتراه هو شخص لاتكاد تعرفه، لكنه يخرج من جلدها ويتلبسها، فترى منه، مخالبه، وأنيابه .. 
ياترى، متى كبر ذلك الذئب الصغير وتمرد عليها، وقتل فيها كل مايشير إليها؟ 
هي لاتعلم مطلقا، ولا تعرف، كل ماتعرفه أنها كلما مدت له يدها اشتاط غيضًا، وعوى في وجهها، وانقض عليها يهاجمها، هي تعرف أنه ذئب كسير، مخذول، متألم، وحانق، ممتلئ غضبًا،
مجروح، لكنها لا ترى جراحه ظاهرة عليه ..
من هو ذلك الذئب “الإنسان” فيها؟ 
نحن لانعلم، ولاهي تعلم. كل ماتعرفه، أنه يصيبها بالخجل أمام الآخرين.. 
ويصيبها برغبة في التقيء حين تختلي بنفسها.. 
كسّرت كل المرايا، أغلقت عدسات الهاتف، تجنبت كل انعكاساتها، محاولة بذلك قتله من ذاكرتها على الأقل .. لكنه أخذ يعوي ويعوي في رأسها، ويشتد صوته ويرتفع، وهي ظلت تنهار وتتداعى للأبد.