لماذا يكون الماضي مهماً.. بينما اللحظة أهم

* نشر في صحيفة مكة

يقول إيكارت تول:“الاستسلام ظاهرة داخلية صرفة
هذا لا يعني أنه على المستوى الخارجي لا تستطيع أن تقوم بفعل وتغيّر الحال
في الحقيقة، إنها ليست الحالة العامة التي تحتاج أن تُقبل عندما تستسلم، لكنها الجزء الصغير المسمّى الآن
”لنفترض لو أن التسليم هو جزء من ممارسات الحياة اليومية، فإن الصعوبات أو الإخفاق أو مرحلة الفشل في اللحظة التي تكون فيها مدركاً لذلك الفشل تدفعك لتنهض منها بقوة التسليم، أي تُسِقط عنك كاهل ما قد حصل لتكون بذاتك ووجودك كله في الوقت، والزمن، واللحظة الراهنة، إن الاستسلام أو التسليم هو طقس داخلي واعٍ حيث يمر الفشل عليك ثم يصبح ماضياً تستقرئ منه مستقبلاً يكون فيه الوعي هو المحور الأساسي لقصد الهدف
ذكر الدكتور فتحي التريكي بأن عالم الحياة اليومية هو «التجربة والعلاقات الإنسانية التي نتعامل معها ونعيها من خلال أذهاننا وحواسنا» إذا فالنمط اليومي هو نمط الأحداث التي تحدث حيث يكون الشخص فيها واعياً ومدركاً وحاضرًا ذهنياً فتتشكل عنها تجاربه الشخصية وعلاقاته بالأشياء والأشخاص لتصبح طقوساً منتظمة لفعل الحياة
نتعرض خلال حياتنا اليومية -لأننا جزء من الواقع- للكثير من الضغوطات مثلاً إخفاق في اختبار أو تجربة أو ربما مشادة مع زميل في العمل أو قد يحدث أن تتشاجر مشاجرة كبيرة مع أحد إخوتك أو أن تنفصل عن زوجك، هذا إلى جانب أحداث خارجية تطرأ فجأة دون سابق إنذار فتُحدث فيك اضطراباً، إن مجريات اليوم الطبيعية هي ذلك النمط الذي لا يحدث كلياً وفق تعاملنا الوحيد مع الأشخاص والأشياء بل لكل فعل تقوم به مع شخص هناك رد فعل يقابله، قد تقبل ذلك الرد فتتحول لمرحلة أخرى، أو قد تنتقل لمرحلة دون القبول، حيث تكون غير مستقرة، هنا تأتي طقوسنا اليومية تلك التي نصنعها لذواتنا مكافأة لنا أو تحفيزاً، أو ربما لتحدث التوازن الذي نريده ليس للاستقرار بل للتمكن وللعبور من مرحلة الضيق إلى الاتساع بسلاسة
مثال على ذلك: قراءة مجلة معينة يوميًا أو دورية معينة شهريًا أو حتى متابعة مسلسل أو برنامج بشكل مستمر، وقد يصل الأمر لطقوس أبسط من ذلك كأن تختار كوب قهوتك المفضل وتصنع قهوتك المحببة لترخي أعصابك وتأخذ نفساً جديداً لمواصلة الحياة
هنا في اللحظة التي تقرأ فيها لكاتبك المفضل أو تشرب فيها قهوتك المحببة لا يجب عليك إلا أن تغرق في تفاصيل الكتاب والنص الذي بين يديك لا أن تجذب كمغناطيس ما حصل أمس مع مديرك أو ما قد سيحدث في مشروعك غداً، هي تلك اللحظة التي تذوب فيها أنت بوعيك داخل الكتاب، قد تملأ أو تعيد شحن الضعف الذي يعتريك من ذلك الموقف فتكون أدركت بذلك التسليم، ومنحت ذاتك فرصة لمواصلة الحياة، عبر اللحظة أو الزمن المختزل فيها، واللحظة حقاً هي ما يمهنا و هي ما يكثف إحساسنا ويرسم معالم جديدة لشكل الحياة اليومية التي تصبح نمطاً
ثم إنه لا يجب الاكتفاء بطقس واحد أو اثنين بل إن إضافة طقس جديد بين فينة وأخرى ثم تحويله لممارسة تصبح مع الوقت عادة تصقل بها اليوم والذات، و يتحسن بها وعبرها المزاج، وينضج بها الفكر والوعي
يقول ايكارت تول: “إذا كنت لا تستطيع الاستسلام، تصرّف فوراً
تكلّم أو افعل شيئاً ما لتحدث تغييراً في الوضع – أو انتقل منه
كن مسؤولا عن حياتك
لا تلوث وجودك الداخلي الجميل والمتألق ولا تلوث الأرض بسلبيتك”.