خلود الكاتب عند بلقيس الكركي

 

* نشر في ساقية

تقول د. (بلقيس الكركي) في كتابها (إرادة الكتابة) حيث تصف صورة الكاتب لنفسه ومعنى خلوده خلال الكتابة،  في فصل “الرقباء: الذات” :

طالما أنك ستحيا الحياة على أي حال، فربما من الحكمة أن تلهي نفسك خلالها بانتظار شيء اخر غير الموت، بشيء تختاره أنت. طبعا قد يبدو من الغباء أن تختار العمر من أجل لحظات قصيرة تدرك فيها خلودك الحاصل أو المحتمل، إدمان المسير في طريق شائك يجرحك ويقتلك ويهدمك رويداً رويداً كل يوم، لكن الغاية تستحق، بلاشك، لسببين:

الأول (استغلال الموت): هو أن اللحظات القصيرة هذه في غاية الإغراء لأن فيها أقصى لذة ممكنة لبشر، لذة “كالأبد المؤقت في القصائد”، تجعل “طعم الموت” بعدها أخف وطأة لأنك عرفت طعم الأبد مؤقتاً. طبعاً قد تبقى حياتك غالية على قلبك، لكنها قد تصبح زائدة عن حاجة صورتك الخاصة إذا لم تعد الأخيرة مرهونة بما ستكتب لو عشت أكثر. أما الموت فيصبح عندها اكسسوارا مكملاً لما ألفت من نفسك، يصبح مجرد النهاية التي حضرت نفسك لها وحيداً، محض سطر قصير، حدث عابر أسفل الصورة، لكنه يكملها فيجعلها أجمل، تكون عندها قد هزمت الموت، لا بأن منعته، بل بأن غيرت دوره وجعلته في خدمة صورتك، فنحن نحب الموتى من العظماء أكثر.

الثاني (متعة الأوهام): هو أنك حتى لو لم تعش لحظات الأبد المؤقتة، فمتعة لابأس بها أيضاً هي الانتظار وتخيل اللذة التي قد تجتاحك فيما لو لم تفشل هذا  إن كنت تنهك نفسك حقاً في سبيل صورتك. فالانتظار احتمال، كل البشر ينتظرون أشياء ممكنة أو مستحيلة كي يحتملوا الحياة. طالما أن ملء نفسك بالأوهام والأحلام الوردية قد يقربك فعلا مما تنتظر فمثلا من يتوهم أنه شجاع قد يصبح حقاً شجاع، هذا سيجعلك تحتمل الحياة من أجل غاية مترفة تنتظرها بدل الموت و تعينك على ضجر العالم الرتيب. الإنتظار آداة تسيطر عليها وتستغلها  من أجل التأليف والوجود وزيادة احتمال الإحساس بمتعة الخلود.