* نشر في صحيفة مكة
حكي فيكتور فرانكل مؤسس علم العلاج بالمعنى في كتابه «الإنسان يبحث عن المعنى»، حين كان في معتقلات النازيين: «كنت أعلم أن التحاقي بفريق للعمل يعني موتي في فترة قصيرة -حيث انتشار الأوبئة في المعتقل- ولكن إذا كان لي أن أموت هكذا، فسوف يكون لموتي معنى على الأقل.
لأني أخذت على عاتقي المساعدة كطبيب بدلاً من حياة البلادة التي أعيشها».
إن حالة التعب التي يكون فيها الإنسان أحياناً أو ربما في الغالب لا تنفك عن المعنى القرآني الذي يقول: «لقد خلقنا الإنسان في كبد»، فالأمر الذي يجب على المرء الوعي به هو أن الراحة مفهوم سقيم في حياتنا هذه إلا إن وجد المعنى الذي يعيش المرء لأجله.
يقول ديستوفسكي: «ما يروعني هو ألا أكون جديرا بمعناتي وآلامي»، أستطيع تأويل مقولة ديستوفيسكي على أن المعاناة هي المقياس للإيمان أو لمعرفة كم الفراغ الذي يعيشه الإنسان.
فمعنى أن أكون جديراً يعني أن أنظر خلف تلك المعاناة، نحو الأبعد، وأؤكد قولي بما قاله الله تعالى: «أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا» هذا تأكيد على أن الخالق -الله -خلق الإنسان في كينونته وهيأه وصنعه ليس ليعيش عبثاً، فيرى البعض أن هذه القضية هي قضية كونية أي أنه تقدير كوني، فلو أن الإنسان أراد العيش بمحض إرادته لأجل العبث وإفساد الأرض والسيطرة، وصناعة الحرب، أو حتى العيش بأنانية مطلقة فإن ذلك يناقض طبيعته وذاته وأنه يناقض كذلك الهدف من المعاناة التي يعانيها، فيكون غير جدير بها.
فالغاية المطلقة والمعنى المطلق يكمن حيث يكون المعنى.
حكى فرانكل في كتابه، أن أحد أصدقائه في المعتقل قد فقد الأمل في أن يفرج عنه فما أن اعتنق تلك الفكرة حتى بدأ جسده يستجيب للذلك فانتقل إليه المرض وتمكن منه ومات بعدها.
فيعلق فرانكل على هذا الصديق: «وبذلك كان صوت حلمه هو الصحيح برغم كل شيء».
لربما كانت أوسع أحلامه في ذلك المعتقل وذلك المنفى هو الخلاص وقد نالها دون أن يمتلك جدارة المعاناة وجدارة المعنى، فلو فرضنا أن مصير الإنسان هو المعاناة، فإن تقبل تلك المعاناة يساوي عمق المعنى الداخلي لهذا الإنسان.
فبحجم ذلك المعنى تكون القدرة على تحمل تلك المعاناة بكامل أعبائها، فلو كان حجم المعنى هامشي ووقتي فسيكون التحمل بذلك القدر ولو كان واسعًا وعميقاً وارتبط بحجم خالق السماء فإنه يكون كذلك أيضاً.
إذاً فما قاله نيتشيه صحيح هو «أن من يمتلك سبباً يعيش من أجله، فإنه غالباً يستطيع أن يتحمل بأي طريقة وبأي حال»، نستطيع القول بأن الأمل هو المرادف الوحيد لفكرة غزارة المعنى، وهو الطريق لتقبل المعاناة ومواصلة الحياة وابتكار الوسائل للوصول إلى الجدارة والإيمان، فكلما كان الأمل عميقاً والإيمان غزيراً كان بلوغ المعنى يسيراً مهما عسر.