عشرة كاملة

في أغسطس قبل ١٠ سنوات، بدأت التدوين في مدونتي هذه .. غالبا لو أطلعت على أول سطر هنا، سأغوص في ضحك طويل، لكن أعرف جيدا أنها حملت معي مزاجيتي، وأيامي ..
الكلمات في رأسي تلبس أدورا متعددة، تشبه أحيانا صديقا يأخذني إلى الشاطى لنجلس على الرمل ونسمع صوت البحر ونغني للطيور .. وأحيانا تشبه سكينا حاد ينغرس داخلي ويخرج فتسيل معها دموعي وآلامي وأوجاعي التي لا أعرف مقرها في نفسي .. تشبه في وجودها شجاعتي وخوفي في الوقت نفسه ..
مدونتي باختصار تعبر عني جزئيا، هي ليست كل شيء عني .. لأني وبيقين تام، أحمل داخلي عالم آخر لا أدري كيف أكشفه كاملا، وأدعوا الآخرين إليه بلا مدارة .. هذا العالم هو ما أعود إليه كل مرة لأتعرف إلى نفسي محاولة السكنى إليها ..
كل عام ونحن نكبر معا مدونتي العزيزة ..

وأنت، كيف حالك؟

من يقنع العود إذا فقد أحد أوتاره، بأنه لايزال قادر على صياغة اللحن دون أن يكون نشازًا ؟ هذا السؤال هو الجواب على سؤالك لي، كيف حالكِ؟ فأنا العود فاقد الوتر، وأنا النشاز أيضًا .. لكن لا بأس، سأحاول تجاوز الحال، وأحكي لك عن المحاولات المستميتة لصياغة يوم متماسك مستبصرة أحداث العالم ..

أقرأ عدة كتب هذه الأيام في نفس الوقت، ومن الكتب التي أثارت فضولي واهتمامي بشكل خاص، كانت عن (الانتحار) من قبل عالم النفس Jesse Bering فهو يطرح عدد مختلف من الموضوعات، وتطرق للانتحار في كتابين، الأول A very human ending والثاني هو Suicidal (why we kill ourselves)، قد بدأت الكتاب الأول مصادفة قبل انتحار سارة حجازي بعدة أيام. الكتب بحسب بحثي لم تترجم حتى الآن لللغة العربية مع الأسف، لكن لغة الكتاب ليست صعبة لذلك الحد، فهو يكتب بأسلوب القصة الصحفية وهي الطريقة الأسهل ربما للتلقي والمتابعة خصوصًا في موضوعات علمية. صحيح، أحب أن أنوه، لست هنا لأكتب عن الانتحار، ولا عن قضية سارة فلا أود أن تنتظر ولا أن ينتظر رأيي أحد.

في هذه المرحلة منذ مايقارب أكثر من عام، انفر بشكل متكرر من جو السوشل ميديا، أتابع -أحيانا- بصمت، وغالبًا لا أكون متواجدة، ولا أعرف مايدورفي ذلك العالم أكثر من كمية مستفزة من الكراهية، والعنصرية والقرف، تنعكس على نفسيتي بطريقة سلبية ومؤذية جدًا، ولا أعرف إن كنت سأتجاوز تلك المشاعر قريبًا لذا قررت بشكل لا إرادي الإبتعاد عنها قدر المستطاع، وتركها بقدر مايمكن، فمن يقرأني معك الآن ويود التواصل، يمكنه مراسلتي مباشرة عبر بريدي الالكتروني، وهذا أفضل بكثير. دعني أحكي لك هذه القصة، قبل أكثر من عام على ما أظن، قد حصل معي موقف طريف، ومخجل في الوقت نفسه، كنت قد تواعدت مع مجموعة من الفتيات في اسطنبول عن طريق تويتر بأن نلتقي ولم أحدد في محاثتي معهم أي وقت أو يوم أو ساعة، وألغيت حسابي في تويتر ونسيت الأمر، بعدها بأيام، بعثت لي أحدهن ايميل، تخبرني فيه بالموعد واليوم والساعة، وفي اللقاء، ضحكنا على طريقة الاتفاق تلك، فهل سبق لك في عام 2018 أن تواعدت لموعد لقاء عبر الايميل، كأنه اجتماع عمل؟ نعم، أنا وصديقات اسطنبول فعلنا واعترف أن السبب وراء ذلك و سوء مزاجي وتواصلي بكل أسف.

لنعود للحديث المفيد – لحد ما- فقد تابعت مؤخراً :
– وثائقي I am not your negro
– وأقرأ حاليًا كتاب: تمثيلات الآخر، صورة السود في المتخيل العربي الوسيط لد. نادر كاظم. بدأته في فترة ما، وتوقفت، والآن أعود له مرة أخرى.

وقبل النهاية، يرد ساراماغو على كل من يتهمه بأنه انسان متشائم قائلاً: “بل عالمنا هو المشؤوم”. وأظني أصدق جملته تمامًا. ويكمل فكرة التشاؤم مؤكدًا، بأنه “علينا مواجهة قسوة العالم بقسوة تعادلها”. وله حديث مطول ومقنع حول هذا الأمر. هذه ليست دعوة للتشاؤم، ولا للتفاؤل، ولا اقناعك بشي لاتريد رؤيته وإبصاره،كل مافي الأمر، أنه علينا أنا وأنت والجميع، أن نكون يقظين بما يكفي لأجل وعينا الخاص، رغم أن المعرفة مؤلمة لكن الوهم مرض عضال.

بعد كل هذه الثرثرة، غالبًا وبدون أي وعد مسبق، ستكون تدوينتي القادمة عن الموسيقى، فلدي الكثير الذي أود الحديث فيه .. ولا أعرف لماذا كلما بدأت توقفت … وأنت، كيف حالك؟

ليلى الذئب!

النظر إلى المرآة يفزعها، 
لاترى شخصًا سائلاً، 
ولا ترى عينًا تائهةً، 
ولا تلمح ثقوبًا في رأسها أو في جسدها 
ولا ترى بطبيعة الحال، وجهًا وديعًا، مبتسمًا، جميلاً، كما هو في حقيقته.
إن كل ماتراه هو شخص لاتكاد تعرفه، لكنه يخرج من جلدها ويتلبسها، فترى منه، مخالبه، وأنيابه .. 
ياترى، متى كبر ذلك الذئب الصغير وتمرد عليها، وقتل فيها كل مايشير إليها؟ 
هي لاتعلم مطلقا، ولا تعرف، كل ماتعرفه أنها كلما مدت له يدها اشتاط غيضًا، وعوى في وجهها، وانقض عليها يهاجمها، هي تعرف أنه ذئب كسير، مخذول، متألم، وحانق، ممتلئ غضبًا،
مجروح، لكنها لا ترى جراحه ظاهرة عليه ..
من هو ذلك الذئب “الإنسان” فيها؟ 
نحن لانعلم، ولاهي تعلم. كل ماتعرفه، أنه يصيبها بالخجل أمام الآخرين.. 
ويصيبها برغبة في التقيء حين تختلي بنفسها.. 
كسّرت كل المرايا، أغلقت عدسات الهاتف، تجنبت كل انعكاساتها، محاولة بذلك قتله من ذاكرتها على الأقل .. لكنه أخذ يعوي ويعوي في رأسها، ويشتد صوته ويرتفع، وهي ظلت تنهار وتتداعى للأبد.

طقس سري

– لديها طقس سنوي لاتقوله لأحد، إنها تشاهد قضية فلسطين من ثقبها المجروح، لازالت في كل مرة تستعيد تفاصيل جرحها القديم لهذه القضية من خلال وجه محمد الدرة .. إنها صرخة قلبها الذي لم يعرف من بعد تلك الصرخة قضية تعادلها، فإن كانت القضية التي لم نكن لنختلف على حقيقة عدالتها أصبحت مشوهة بصورة مرعبة اليوم .. فهي تصر أكثر على المقاومة بأقل مايمكن ..
طقسها السنوي، أنها تعيد مشاهدة التحفة الدرامية التاريخية العربية، التغريبة الفلسطينية. ثم تؤكد على أطفال العائلة ممن أصبحوا في سن مناسبة لفهم التاريخ والقضية بتفاصيلها أن يشاهدوه .. إنها لاتعرف كيف تطفئ ذلك الحزن الغريق ولا أن تعلن عنه، إنها تحاول فقط أن تبقي على الغضب كي لاتنسى إنسانيتها .. إنها تربي الصغار على ذلك منذ زمن بعيد .. إنها تتعلم من هناك كيف يطغى الإنسان فيسلب وينهب ويطغى، كيف يباع الضمير، وكيف يصبح البعض بلا أوطان وكيف ينتهي الإنسان .. يفزعها أن تنسى، يفزعها أن يخمد ذاك الغضب ..
فياعدالة الأرض .. وياكل القضايا .. لا لن نصالح !
فيارب كل الضعفاء، والبسطاء، وقليلي الحيلة .. كن عونا ..

– كتبت قصة قصيرة، كانت إلهام لعبارة سيمون دي بوفوار: ‏كانت تلتمس في السماء، ماترفض الأرض أن تمنحها.

إنذار عام في المدينة؛ رياح قوية ستحل. بعد معرفتها الأخبار، لم تجهز مؤنة، ولم تخشى أي دمار، مافعلته اغرب من ذلك، أخرجت من خزانتها بندقية، ربما؟ لا أراها بوضوح من هذه الزاوية، لكنها أشياء ضخمة، ربما حاملتين اثنتين مفصولتين عن بعضهما البعض.
خرجت إلى الشارع في اللحظات التي عاد الجميع إلى بيوتهم. في كل ذراع، ريش كثيف، يبدو أنها أجنحة لطائر عملاق، ارتدتها بإحكام، وانتظرت قليلا، إلى أن هبت العاصفة، رفعت تلك الأجنحة، وطارت بعيدا بعيدا .. دون عودة. حيث “تلتمس في السماء، ماترفض الأرض أن تمنحها إياه”.

انتباه (قصة قصيرة جدًا)

اقتنيت شجيرة صغيرة، وضعتها في زواية الغرفة، كنت اسقيها متى احتاجت لذلك .. مع الوقت، نبتت لها أعين، فصارت تلتفت إلي كلما مررت ماشية أمامها ، أو حولها. تلاحقني بنظراتها كتعويذة يومية لا أفعلها لنفسي. لم ألحظ ذلك في البداية، لكن حين أدركتها، صارت تغمض عينيها كلما جاورتها. أظنها لا تريدني أن أكشف سر العينين، ولا سر الصلوات. بعد فترة، أطلت في عدم ريها، فصارت تحدق فيّ بكاملها، وكأنها تعاتبني على النسيان والرعاية، تساقطت أوراقها، لاحظت ذلك، لكن شيء في داخلي دفعني لتركها دون اكتراث، أمر عندها فأكنس أوراقها وأمضي. ذات يوم، رأيتها تكفلت بسقاية نفسها، رأيت دموعها، لقد بكت حتى ارتوت، وعادت نضارتها .. عند ذلك المنظر، بقيت مذهولة، مع حزن غريب، لكنها لحظة مهمة في تاريخنا، لحظة أعادت اهتمامنا ببعضنا.

هل الكتابة، تجعلك موجود؟

أكتب كثيرا، لكن لاشيء مما أكتبه يشعرني بالرضا، كثيرا ما قررت داخل نفسي بأنه علي التخلي عن الكتابة .. وفي كل مرة أقرر ذلك، أكون على دراية كافية بأني أكذب، وبأن ما أمر به ما هو إلا اكتئاب بصفة أو بآخرى .. ربيت داخلي -مكرهة- عدو صغير، يحاربني فيما أحب .. لايراني لائقة بما أقوم به .. يسخّف كل ما أظنه جميلا ويشع حياة وبهجة.. مايفعله بي، يشبه ماتفعله حشرة جائعة على ورقة شجر خضراء جميلة، يقطم أطرافها ثم ينتقل إلى داخلها ويزداد نهشا لها .. عدوي الصغير، ينسل إلى أعماقي ويبدأ بالتخريب، فلا أجد مجالا للتراجع عن الشعور بأن جماليات ما أفعله ماهو إلا دمار .. كحقيقة أعرفها تماما، وأجهل مصدر يقيني بها؛ لن أكون كاتبة مشهورة في يوم ما، لن أكون تلك الكاتبة التي لها جمهور عريض يترقب ماتكتب، حقيقة لاتزعجني الفكرة، ما يزعجني هو كراهيتي لنشر ما أكتبه، لأن “النشر” يعطي انطباع لا إرادي بأن على تلك الكلمات أن تجد من يقرأها، لكن في الحقيقة نحن لانعرف إن كان هناك من يقرأ .. 
لماذا نكتب؟ هذا السؤال حاد للغاية بالنسبة لكاتب .. هل تعتقدون أن من يكتب يحاول أن يجد سببا أو مبررا لفعله؟ لا أظن.. حتى أني أعتقد بأن الأجوبة على سؤال كهذا في أغلب الأحيان ليست سوى “محاولة” لإيجاد ما يقنع السائل لا الكاتب نفسه .. كنت أظن شخصيا بأني من خلال الكتابة سأصبح قادرة على التواصل مع نفسي، والتعبير عن الآخرين، وأنسج خيوطا كخيوط العنكبوت يتعرف الآخرون علي من خلالها، لكن ما انكشفت عليه من تعقيدات داخلية، يجعل حتى هذه الفكرة محض هراء، فنحن نكتب مانشعر به بل ماتنطوي عليه الدراما، أو الإدعاء، والخيال وليس نحن كلية.. نحن نحن لكننا لسنا نحن في الوقت نفسه، لا أعرف كيف أشرح الفكرة تحديدا، لكن أعرفها جيدا، فأنا أشبه ما أكتبه ولا أشبهه في نفس الوقت .. الكتابة صراع مستمر، لتعرف مغارات نفسك وروحك، وأن تحدد من أنت فأنه ليس عليك أن تكتب فقط، لأن الكتابة صوتك الداخلي، بينما من الممكن جدا أن لايخرج بصوت مرتفع في يومياتك العملية .. هناك أنت المحبوس في الكتابة ويظن بأنه ينوجد من خلالها، وآخر الذي يصارع ليكون موجودا في حياته وحياة الآخرين حقا .. قد تصيرك كتابتك لتكون موجودا في حيواتهم، لكن وجودك الفعلي لايكون بنفس الجودة التي تكون عليها وأنت كاتب .. الكاتب هو النسخة الأصعب في التشكل والظهور .. والحكم عليه أسهل، أسهل من الحكم على موسيقي أو فنان .. حيث كما يظنه العقل الجمعي -وقد يكون صحيح لحد ما- أن الكاتب يكتب حقائقه، ونفسه، وأفكاره .. ربما، وربما تكون الحقيقة مختلفة عن النفس، ومختلفة عن الأفكار .. الكاتب يصيغ الحياة للآخرين، ويمنحهم حيوات متعددة، بينما هو لايعرف إن كان عاش في تلك الحيوات أو من خلالها، حساس و يقظ لكثير من التفاصيل، يموت ويعيش كثيرا ليستطيع أن يصل إلى النقطة الأعمق عند القارئ .. الكتابة ليست مجرد إلهام يأتيه، هي حصيلة كبيرة من الخبرات والقراءات والخيال .. وأظن – العزلة- فالعزلة بمعناها الحقيقي تستطيع خلق الاختلاف .. الاختلاف الذي يجعلك رغم الجميع فريد لحد ما .. وهذا بحسب ماقرأت في مكان لا أتذكره هو ذكاء اجتماعي يخص فئة (الانطوائيين). لكن الإنسان وليس الكاتب تحديدا لديه نزعة كبيرة لأن يكون معروفا، أن يكون موجودا، أن يبعث من موته في صورة الخلود .. وعند هذه النقطة قد أميل إلى أن عبث الآخرين عند موتنا قد يجعلهم يعيدوننا للحياة من جديد في حال كان ميراثنا (كلمات) أو فن تركناه مجهولا مع قيمته .. وهنا تحديدا أتذكر فيفيان ماير التي ذُهلت كثيرا بسيرتها ومجموعة (الصور) التي كادت أن تبتلعها الأرض أو الحاويات .. وكذلك يمر ببالي هنري دارجر، راجعوا سيرته .. أو لعلي أحدثكم عنه في مرة قادمة .. حيث ستعرفون أن هناك من يجد نفسه وفنه ويصنع مجده في العزلة حيث يبدو للآخرين (عاديا). 
وبعد كل هذه الثرثرة، ماذا أريد أن أقول باختصار؟ حقيقة أحب أني لا أهتم كثيرا بأن يقرأني عدد كبير من الناس .. فأنا لا أطمح بأي شكل أن أكون معروفة .. يكفيني أن أصل للمقدرة المطلوبة لأن أعرّف من أحبهم عن نفسي، وقلبي، فبذلك أكون موجودة، وخالدة.

شهري المفضل / مايو

لم تكن الأشهر تشكل لي فارقًا، فالأجواء طيلة العام في جدة متشابهة، كان الفارق الوحيد هو الجو اللطيف، والنسمة الباردة التي تأتي في يناير، هي التي تخبرنا بأن الشتاء قد حل في العالم.. إلى أن تعرفت على شهري المفضل (مايو) في اسطنبول، يبدأ الجو فيه بالاعتدال بين الممطر والمشمس، وتبدأ الأزهار بالتفتح والأخضر يزداد إخضرارًا، عندها فقط صار لهذا الشهر مكانة فريدة. إضافة إلى أنه شهر مولدي 21 مايو، فهو الشهر الذي يقول لي بأني في عالم موازي ربما أكون زهرة لوز ، أو ليلكة، أو ربما شجرة ..
ها نحن الآن نُمضي هذا الشهر دون أن نستطيع الاستمتاع حقًا بجماله، وجلاله، الذي عرفته ل 5 أعوام سابقة في اسطنبول .. ها نحن الآن كل منّا في بيته يحاول أن يكون متماسكًا بشكل أو بآخر ..

ليست لدي طقوس محددة أمارسها هذه الفترة، على العكس، فأنا أمارس ما أمارسه طوال العام، أكتب، اقرأ، أخربش في دفاتري الصغيرة، أو في جوالي، وأجمع روابط موسيقاي المفضلة دون مشاركة، وأقرأ الكثير من المقالات حتى أنسى بشكل عفوي ما قرأت تحديدًا، وأفكر في عدد لا متناهي من الأسئلة، وأتحدث لعدد قليل جدًا من الناس.. لا أفضل التواجد في مواقع التواصل الاجتماعي، أعرف سبب ذلك جيدًا، لكن لن أحاول المرور عليه .. فبين مشاهدة أفلام أو وثائقيات، أوتعلم شيء جديد، أو قراءة كتب أقضي أيامي ..

كتبت خلال أيامي الماضية قصاصات لا أعرف تصنيفًا واضحًا لها في عالم الكتابة، لكنها شيء أحب أن أضعه هنا، حتى لا يضيع مع الأيام، فأعرف أن كتاباتي فوضوية، فليس لدي مكان محدد أكتب فيه، حين تخطر الفكرة، أمس بأقرب ورقة وقلم، أو أفتح أي نافذة في جوالي للكتابة وأكتب ..

(١)
غرفة لا خصوصية لها، نوافذها دون ستائر، هكذا تدخل الشمس داخل عينه كل صباح دون أن تطرق النواذف لتستأذنه، أو تستسمحه بالإشراق عليه، حتى وهو كاره لهذا الأمر لم يفكر يوما بوضع ستائر .. كانت الشمس الشيء الوحيد الذي يزوره كل يوم، دون نسيان، ستقولون لكن السماء تصاب بالغيم أحيانا فتحجب الشمس بكاملها، صحيح هي من يتعمد فعل ذلك، إنها تمثل دور المحب الذي يختفي، وينزوي بشكل مفاجئ ليسأل عنه أحبابه ويبحثون عن أخباره، هي تتقصد أن تفعل به ذلك، تريده أن يعرف بأن الضجر سمة قبيحة فيه، فكلما تسللت أشعتها داخل عينيه رفع غطاؤه بلا اكتراث على وجهه، وتجاهلها كلية ..
في الشتاء تمارس معه نفس الدور، تتثاقل ، وتتمنع في حضورها .. تترك للمطر والرعد والبرق والغيم أن يتولوا مهمة ازعاجه .. يحدث في تلك الأيام أن ينسى الاستيقاظ، ويحدث أن يخطئ الأوقات في غيابها .. فيكون ذلك تأكيدًا على كسله ولامبالاته ..تظهر صفاته بوضوح، عابث، وحياته فوضى، أيامه تتداخل فلا يدري كم شعرة سوداء تنازلت عن سوادها واستسلمت لمضي العمر .. تمر أيامه دائمًا بهذه الطريقة، فلايدري عن سيلان شبابه شيء، ربما كان منذ البداية شخصًا شائب الروح ، ومتعفن المزاج .. كان يحتفي بعدم الاكتراث هذا .. لكن الصداقة الوحيدة المتينة في حياته كانت مع الشمس و استفزازه منها .. هي التي ما إذا غابت تفقد النشرة الجوية ليترقب قدومها .. إنها الحياة المثالية له، حيث يأتيه الضوء ليغزوه يوميا دون أن يبحث عنه ليتفقده !
(٢) 
حساسة، تعاند الأيام في محاولات كسرها.. تستيقظ باكرا مقتنعة بأنها هي من تأذن للشمس بأن تشرق .. ثم تتولى رعاية كل شيء حولها ليكون على مايرام، فتسلّم على جدران غرفتها، ثم تقبل الزرعات الموضوعة في أركان البيت، لكن شيء وحيدا لا أعرف سبب فعلها له، وضعها قماشة على اللوحة الوحيدة في غرفتها كلما دخلتها .. في اللوحة صورة محبين، ربما تفعل ذلك لتترك لهما خصوصيتهما في حضورها، وتزيل القماش كلما خرجت، لتترك لهما حريتهما في استكشاف الحياة بعيدا عن اللوحة .. لقد قلت في البداية، إنها حساسة .. بل مفرطة في الحساسية .. 
(٣) 
يعاني من أنه قبل الخطوة الأخيرة بقليل يتعثر، فتتلاشى الخطوة، وتتبخر النهاية .. ثم يعود إلى البداية من جديد. حالته هذه هي حالة تشبه فكرة الضوء في آخر النفق، فأنت إذْ تظن معتقدا أنه موجود، تلاقي هاويتك فيه، فتعود أدراجك، وتسير .. ربما الفرق هذه المرة أنك ستمضي معاكسا كل تيار يصادفك. 

(٤) 
إنها تركض من الظل الذي يلاحقها كلما انحازت إلى النور، وكأنه شبح. إفراطها في الركض منه مزّقها، محاولات التجاهل أفزعها، إلى أن وجدت سكينتها في العتمة .. في الظلام لاترى من نفسها غير واحد، لاتتعد النسخ ولا تتكرر !