شهري المفضل / مايو

لم تكن الأشهر تشكل لي فارقًا، فالأجواء طيلة العام في جدة متشابهة، كان الفارق الوحيد هو الجو اللطيف، والنسمة الباردة التي تأتي في يناير، هي التي تخبرنا بأن الشتاء قد حل في العالم.. إلى أن تعرفت على شهري المفضل (مايو) في اسطنبول، يبدأ الجو فيه بالاعتدال بين الممطر والمشمس، وتبدأ الأزهار بالتفتح والأخضر يزداد إخضرارًا، عندها فقط صار لهذا الشهر مكانة فريدة. إضافة إلى أنه شهر مولدي 21 مايو، فهو الشهر الذي يقول لي بأني في عالم موازي ربما أكون زهرة لوز ، أو ليلكة، أو ربما شجرة ..
ها نحن الآن نُمضي هذا الشهر دون أن نستطيع الاستمتاع حقًا بجماله، وجلاله، الذي عرفته ل 5 أعوام سابقة في اسطنبول .. ها نحن الآن كل منّا في بيته يحاول أن يكون متماسكًا بشكل أو بآخر ..

ليست لدي طقوس محددة أمارسها هذه الفترة، على العكس، فأنا أمارس ما أمارسه طوال العام، أكتب، اقرأ، أخربش في دفاتري الصغيرة، أو في جوالي، وأجمع روابط موسيقاي المفضلة دون مشاركة، وأقرأ الكثير من المقالات حتى أنسى بشكل عفوي ما قرأت تحديدًا، وأفكر في عدد لا متناهي من الأسئلة، وأتحدث لعدد قليل جدًا من الناس.. لا أفضل التواجد في مواقع التواصل الاجتماعي، أعرف سبب ذلك جيدًا، لكن لن أحاول المرور عليه .. فبين مشاهدة أفلام أو وثائقيات، أوتعلم شيء جديد، أو قراءة كتب أقضي أيامي ..

كتبت خلال أيامي الماضية قصاصات لا أعرف تصنيفًا واضحًا لها في عالم الكتابة، لكنها شيء أحب أن أضعه هنا، حتى لا يضيع مع الأيام، فأعرف أن كتاباتي فوضوية، فليس لدي مكان محدد أكتب فيه، حين تخطر الفكرة، أمس بأقرب ورقة وقلم، أو أفتح أي نافذة في جوالي للكتابة وأكتب ..

(١)
غرفة لا خصوصية لها، نوافذها دون ستائر، هكذا تدخل الشمس داخل عينه كل صباح دون أن تطرق النواذف لتستأذنه، أو تستسمحه بالإشراق عليه، حتى وهو كاره لهذا الأمر لم يفكر يوما بوضع ستائر .. كانت الشمس الشيء الوحيد الذي يزوره كل يوم، دون نسيان، ستقولون لكن السماء تصاب بالغيم أحيانا فتحجب الشمس بكاملها، صحيح هي من يتعمد فعل ذلك، إنها تمثل دور المحب الذي يختفي، وينزوي بشكل مفاجئ ليسأل عنه أحبابه ويبحثون عن أخباره، هي تتقصد أن تفعل به ذلك، تريده أن يعرف بأن الضجر سمة قبيحة فيه، فكلما تسللت أشعتها داخل عينيه رفع غطاؤه بلا اكتراث على وجهه، وتجاهلها كلية ..
في الشتاء تمارس معه نفس الدور، تتثاقل ، وتتمنع في حضورها .. تترك للمطر والرعد والبرق والغيم أن يتولوا مهمة ازعاجه .. يحدث في تلك الأيام أن ينسى الاستيقاظ، ويحدث أن يخطئ الأوقات في غيابها .. فيكون ذلك تأكيدًا على كسله ولامبالاته ..تظهر صفاته بوضوح، عابث، وحياته فوضى، أيامه تتداخل فلا يدري كم شعرة سوداء تنازلت عن سوادها واستسلمت لمضي العمر .. تمر أيامه دائمًا بهذه الطريقة، فلايدري عن سيلان شبابه شيء، ربما كان منذ البداية شخصًا شائب الروح ، ومتعفن المزاج .. كان يحتفي بعدم الاكتراث هذا .. لكن الصداقة الوحيدة المتينة في حياته كانت مع الشمس و استفزازه منها .. هي التي ما إذا غابت تفقد النشرة الجوية ليترقب قدومها .. إنها الحياة المثالية له، حيث يأتيه الضوء ليغزوه يوميا دون أن يبحث عنه ليتفقده !
(٢) 
حساسة، تعاند الأيام في محاولات كسرها.. تستيقظ باكرا مقتنعة بأنها هي من تأذن للشمس بأن تشرق .. ثم تتولى رعاية كل شيء حولها ليكون على مايرام، فتسلّم على جدران غرفتها، ثم تقبل الزرعات الموضوعة في أركان البيت، لكن شيء وحيدا لا أعرف سبب فعلها له، وضعها قماشة على اللوحة الوحيدة في غرفتها كلما دخلتها .. في اللوحة صورة محبين، ربما تفعل ذلك لتترك لهما خصوصيتهما في حضورها، وتزيل القماش كلما خرجت، لتترك لهما حريتهما في استكشاف الحياة بعيدا عن اللوحة .. لقد قلت في البداية، إنها حساسة .. بل مفرطة في الحساسية .. 
(٣) 
يعاني من أنه قبل الخطوة الأخيرة بقليل يتعثر، فتتلاشى الخطوة، وتتبخر النهاية .. ثم يعود إلى البداية من جديد. حالته هذه هي حالة تشبه فكرة الضوء في آخر النفق، فأنت إذْ تظن معتقدا أنه موجود، تلاقي هاويتك فيه، فتعود أدراجك، وتسير .. ربما الفرق هذه المرة أنك ستمضي معاكسا كل تيار يصادفك. 

(٤) 
إنها تركض من الظل الذي يلاحقها كلما انحازت إلى النور، وكأنه شبح. إفراطها في الركض منه مزّقها، محاولات التجاهل أفزعها، إلى أن وجدت سكينتها في العتمة .. في الظلام لاترى من نفسها غير واحد، لاتتعد النسخ ولا تتكرر !