النص الثامن من سلسلة طوابع؛ أقصوصات بسيطة من الواقع أعيد كتابتها ..
تميل دائمًا للصمت دون أن تعرف بأن صمتها يعني ترك مساحة حرة وكاملة للآخرين بكتابة نصوصهم الخاصة عليها، كأن تتحول لدفتر مذكرات، وكتاب رسائل ..
تجلس اللحظة على أريكتها متحلزنة، ترفع صوت الموسيقى، وتترك لتلك النصوص أن تنطبع كالوشم في دماءها السائلة، إنها المعجزة التي تدركها ولا يدركها سواها، أن تكون مسرحًا لوشم الأحرف والكلمات ..
تغمض عينيها، وتترك لمشاعرها أن تعيد كتابة الحياة في أروقة روحها، سطر وراء سطر، حرف يعاند الآخر، فكل الراحلين والعابرين لا يتبقى لها منهم سوى اللغة والحرف، إنها الأفكار التي تسطو عليها دون رغبة كاملة منها حين تودّع أشخاصًا باستمرار.. إنها النصوص التي تنحفر في عظامها لتصير بينها وبينها متحف فني لأعداد المارين.. لا تتذكر مرة أنها نست الحكايا أو الدموع أو الضحكات.. لكنها تصحو أحيانًا وحيدة دون أحد .. تتحسس جلدها لتقرأ صوت حبيبها، وتسمعه كخيال كان أوحقيقة، كالكفيف الذي يتحسس لوحة القراءة، ويرى كافة الكلمات تستنجد به ليلمسها، وهي تفعل، تتلمس كلماته كلمة كلمة، وتعيش في تفاصيلها الصغيرة رغمًا عن المسافة والصمت .. ربما، هو الحي الوحيد في روحها، ذلك الذي ينمو كلغة كاملة متفردة لا تشبه أي اللغات .. هو غابة الحكايا، والنصوص، والقصائد ..
لا تعبث بما تركه الآخرون فيها، حتى تلك التي يقال لها في السائد ندبًا أو جرحًا، فقط تحاول إعادة قراءة الأشياء باتساع، تقرأها كلغة جديدة، كفكرة، كنصوص ركيكة أحيانًا وبليغة أحيان أخرى، إنها تتمعن الحياة من خلال حدقاتها، ثم تستعير من لغة الأصدقاء المنسية فيها رؤية أخرى، وتأخذ مراراً برأي النصوص المتروكة لأشخاص مرّوا بشكل حقيقي أو أولئك الذين مرّت بهم عبر نصوصهم وكتاباتهم فطَفَت لغتهم على جداران عقلها وقلبها دون عناء محاولة التذكر؛ من قال ذلك أو من حاول إقناعها بعكس ماقيل ..
لطالما قالت، أنه مهما حاولنا التجرد أو حاولنا التظاهر بأن كل مالدينا هو نحن الخاصة، فربما الأمر معقدّ بلمحة جميلة أحيانًا، وهو أن كل الأشخاص المارين والعابرين وأصدقاؤنا، خصوصًا الذين نحبهم، يكتبون داخلنا نصوصهم الطويلة، تلك التي نظل نقرأها عمراً كاملاً دون أن نتفادى نقطة، أو فاصلة، أو علامة استفهام! تلك التي نقرأها من البداية إلى النهاية، ومن النهاية إلى البداية، أو نقرأها من خلال سطر وترك سطر، وكلها تؤدي لمعانٍ لا نهائية.
نحن نتكوّن من نصوص كثيرة، ونترك نصوصنا الخاصة في أرواح الآخرين .. نتركها أحيانًا لتعيد لنا الوجود في الدم والروح التي نحب على شكل وشم ..