انفعال مستهتر …
النص الأول من سلسلة طوابع؛ أقصوصات بسيطة من الواقع أعيد كتابتها ..
وقفت فتاة حسناء على كرسي أحد المطاعم الفاخرة ذات مرة، لم تكن مهتمة لأناقتها المتكاملة، ولم تكترث لذلك التباهي الذي يسكن أركان ذلك المطعم، فالكل يحاول الظهور، الظهور المادي الذي يسلبهم تماماً حقيقتهم! أما هي فأصرت على ذلك الوقوف المستهتر ليس محاولة في تصغير أو انتقاص نفسها، لكنها الجدية في التصرف وفقاً لسلوكيات طبيعية تتوافق مع بشريتها في مكان يكاد لايكون طبيعيا من وجهة نظرها بأي حال لأنه يضعها ضمن بروتوكولات محددة ويقمع كل انفعالاتها العفوية.. نظر إليها الجميع نظرة استنكار، محاولين بعضهم الشكوى على تصرفها بوصفه أحمقاً، وطفولياً وغير ناضج وأقرب مايكون إلى الجنون! فهل يعقل أن تقف فتاة ثلاثينية إلا 3 أعوام على كرسي، مقهقهة بصوت عالٍ، قائلة أخيراً فعلتها في مطعم من أفخر المطاعم في المدينة؟ هي لم تختر ذلك المطعم بمحض إرادتها، أخذتها صديقتها إليه دون أدنى معرفة بتفاصيل المكان، لكنه توافق مع أمنية حقيقية كانت تلح عليها. لم يصلها خبر استثنائي بفوزها بنوبل مثلاً حتى تبرر لنفسها و لأحد هذا الفعل والتصرف.. لكنها فعلته متعمدة وسط هذا الحشد من الاتيكيت والمكابرة والطرق التي تحوّل الأشخاص الى ارستقراطيين جبراً. بل تقلب أفعالهم وكأنهم روبوتات لشدة التزامهم بالمراسم المقننة والتي ربما لها إصدارات كثيرة وكتيبات عنونت ب “كيف تصبح راقياً في 50 خطوة”!
هي تمنت أن تدخل بوابة أحد أماكن هؤلاء النخبة بشكل خاطئ لترتكب حماقتها تلك كأحد أكثر 10 أشياء جنوناً تود فعلها في حياتها، وقد تحقق لها ذلك.. لكن سرعان ماوجدت نفسها واقفة على ذلك الكرسي وحيدة متخلية عنها صديقتها لفعلها غير المدروس والذي أقحمها في موقف سخيف أمام معارف كثر! عدا أن أحد الرجال تطفل عليها وعلى هذا الموقف وأخذ يصفق لها بحرارة كأنه يشاهد مسرحية انتصر فيها بطلها على الشر المحض، ليحقق هوالآخر أمنيته في رؤية وتقدير من يتجرأ على كسر نمطية المكان وقوانينه!