*نشر في صحيفة مكة
اخر حكاية أنتجتها ديزني هي حكاية «فروزن» التي لم تكن على طابع ديزني المعتاد، ولا على شاكلة أفلامها السابقة، لا أقصد من ناحية الإخراج البصري والفني، أي ليس من ناحية جمالية الجرافيكس والرسومات المذهلة أو الموسيقى، وهذا مما لا شك فيه شيء أصيل في إنتاجات ديزني منذ أن وُلِدَتْ، بل أتحدث هنا على مستوى آخر، مستوى تربوي أكثر وعيا بحكم أنها من أهم الشركات العالمية لصناعة الأفلام وصياغة الحكاية، فعلى ما يبدو أن شركة ديزني أخيراً أدركت أن قصص الحب لا تتمركز ولا تتمحور فقط على الحب الذي ينشأ بين الجنسين، أو دعونا نقول أنها أدركت بأنها يجب أن تغرس مفهوما جديداً لدى الأطفال عن الحب، ولو من باب التعزيز.
سأتحدث عن فيلم «فروزن» وأعرج على ناحيتين تربويتين مهمتين، وخلالها سيظهر جواب لسؤالكم الذي نتج عن عنوان المقال: لماذا يجب على الأطفال مشاهدة فيلم «فروزن»؟
خلال مشاهدة فيلم فروزن سنلاحظ بعداً مهماً تمحورت فيه القصة وهي أنها صورت بداية حياة فتاة خلقت بموهبة عظيمة إلا أنها أقحمت في طفولتها على قمعها حتى تحولت إلى هاجس مخيف يؤذيها ويؤذي كل من يقترب منها، ومن هذه النقطة نستطيع إسقاطها على الواقع ونقول بأن العديد العديد في واقعنا يعيش معاناة هذه الفتاة، فكم من أطفال يمتلكون مواهب لكنهم يخشون إظهارها أو يتم تجاهلها حتى تندثر مع الوقت فلا يعود لها بريق، إنها قصة تحكي واقع الموهوبين على الأرجح وخصوصاً أولئك الذين لديهم مواهب مختلفة كلياً وغالباً لا يستطيع إدراكها بعض المربيين فيقتلوها داخل الأطفال مبكراً، لكن موهبة أميرتنا في الفيلم لم تقمع فقط بل جعلتها تخشى المواجهة، وأودتها لتقيم وحيدة في قصر ثلجي، وهذا يشبه كثيراً الأطفال الموهوبين الذين يعيشون متوحدين ومتقوقعين مع ذواتهم في حيرة وقلق إلى جانب أنهم محرومين من استخدام مواهبهم لسبب بسيط هو عدم إدراك المربين سواء والدين أو معلمين لهذه المواهب وتفعيلها. لكن الأميرة في النهاية استطاعت التغلب على الخوف واستثمار موهبتها بمساعدتها لنفسها بدافع الحب وهنا إشارة بسيطة قد يدركها الأطفال عاجلاً أم آجلاً بأنهم في وقت ما سيكونوا هم المسؤولين عن مواهبهم واكتشافها وتفعيلها.
إضافة إلى فكرة أخرى مهمة، ومحورية تستطيع أن توسع إدراك الطفل لمفهوم الحب، بل وإدراك قيمة الحب تجاه الآخرين الذين يعيشون على مقربة، نسكن معهم ويسكنون معنا، دون أن يفكر بعضنا من يقول لهم كلمة حب واحدة، ففيلم «فروزن» لا يحكي قصة تشبه سنووايت وقبلة الحياة من فارس وسيم أحياها من بعد غيبوبة،
ولا سندريلا وفارسها الذي جاب المدينة باحثاً عنها ليجدها ومن ثم ينقذها من عذابات زوجة والدها، ولا تشبه أي من قصص الفيري تيلز، قصة فروزن حكاية جميلة جداً، تحكي علاقة حب أكثر اتساعاً وأكثر صلابة، ذلك الحب الذي لا يصدأ ولا ينهار أمام كل الخلافات. الأميرة في هذه القصة تختلف عن سنووايت وسندريلا حيث لم تشف من لعنتها بفعل ساحرة، الأميرة التي لم تنته على يد رجل ولم تبتدأ بقبلة منه، بل هي ببساطة شفيت بواسطة حب أخوي صادق، كان حضناً أخوياً كما صوره الفيلم. وهذا تحديداً ما يجعلني أقول إن ديزني انتقلت نقلة نوعية في فيلمها الأخير، حيث أنها أخيراً اتخذت منحنى آخر، وحطمت أسطورة قبلة الحب الحقيقي واستبدلتها بفكرة أكثر نضجاً، هي أن الحب الحقيقي لا يرتبط دائماً برجل، مع مراعاة الغريزة الطبيعية للأنثى، حيث إنه لم يكن مستتراً بل واضحاً خلال الأحداث. الفيلم صور معنى الحب في أسمى حالته وأروعها على الأرجح، كان حباً ناعما براقاً بين أختين.
تشكر ديزني لتبديدها خرافات الفيري تيلز المعتادة، نرفع لها ولهذا العمل العظيم قبعة الاحترام، نستطيع القول بأن فيلم «فروزن» حاول علاج أمرين مهمين، الأول: على الموهبة، هو وإن حُرم الطفل في طفولته من يقوده لتفعيل موهبته، فإنه سيدركها مع الوقت ويحررها من مخاوفها ويطلق لها العنان، إلى جانب رسالة للمربيين، لا تقمعوا مواهب أطفالكم بل انعشوها. والثاني: على القلب، حين وسعت مفهوم الحب والعلاقة الحقيقة فيه واستبدلتها بقاعدة حب جديدة يغفل عنها الناشئة غالباً وهي أن الحب الحقيقي غالباً ينشأ في العلاقات بين الأصدقاء والأخوة ومع الوالدين وليس محصوراً في اتجاه واحد؛ تجاه فارس الأحلام، كما أنه لا يلغي ولا يطغى أي من أشكال الحب على الآخر.