ميلاد جديد !


أن أكتب عن رحلتي فأنا أسجل بذلك تاريخي وميلادي الجديد، وصولي سويسرا كانت أمنية من أماني العام الحالي، ارتسمت على شفتي إبتسامة كبيرة هناك لم تغادرني وكأنها وشم طبع في وجهي وعيني، من يتنفس عشق قد سكن قلبه سيبتهج حتماً، لست متحيزة لسويسرا كبلد بل أقدر جداً جمال تلك الأرض، فسبحان من خلق الجمال وتلك الطبيعة التي لا تستطيع إلا أن تخضع روحك إليها فتتبخر الهموم عنك شئت أم أبيت! فأينما وليت وجهك، يمنة ويسرى تستقر عينيك على جنة خضراء، وبحيرات ترى عمقها صفاء، وجبالاً توجتها الثلوج البيضاء ! في تلك الأرض يزداد إيمان المرء بحسب تفكره وتأمله ماحوله .. بعد هذا كيف لايخشع القلب ؟! وكيف يضيق الصدر؟! أعلم جيداً أن الكلمات لا تستطيع بدورها هنا وصف ذلك الجمال، لكن قد يكتب قلمي دروساً قدمتها لي الطبيعة ، وقد أكتب في طيات التدوينات القادمة عن الصحبة التي أقمتها بيني وبين حياة الريف البسيطة!
هذه الرحلة استخلصتها لنفسي خالصة من كل هم ووجع اعتراني طيلة العام، فكم سرت بمحاذاة الألم داخلي، وبكل بساطة أشيح بقلبي عنه وألتفت إلى جديد لم أجربه وأقدم عليه غير آبهة بأي مانع قد يثبطني، فبذلك اثري نفسي وقلبي ،و ابتعد خطوة عن الألم في كل مرة !

في ضيافة سويسرية..

كانت المرة الأولى في حياتي أن أختلط فيها بعائلة سويسرية اختلاطاً شبه كامل، كانت دعوتهم لنا كرماً أوروبياً لم أعرفه قط، فأنا كعنصرية أقصد عربية  كنت لا أعرف كرماً غير الحاتمي الذي نسب إلى حاتم الطائي ومن ثم ألتصق ذلك اللقب بالسلالة العربية من بعده أي كل عربي كريم وأصيل، كان أول اجتماع لنا معهم  في محطة القطار،كم من الوجوه رأينا، كم ذلك التشابه الذي يحمله الأوروبيين في أشكالهم يبقيهم في عيني كإمرأة واحدة ورجل واحد، فلهم ذات البشرة البيضاء وذات الشعر الأشقر ، وذات العيون الملونة التي تنعكس فيها ألوان طبيعة أرضهم ، إما كالبحر زرقاء أو كالعشب خضراء! لكني أستطعت تمييز أبناء أخي اللذين كانا بصحبة الجد والجدة السويسريين – أعرفهم من قبل بالتأكيد – لكن أقصد هنا التمييز الناتج عن الإمتزاج بين الشرق والغرب فكان بادياً على ملامحهم فليس لهم ذات البشرة البيضاء ولا ذات بشرتنا السمراء، وليس لهم ذات الشعر الذهبي ولا الأسود الداكن مثلنا ،فسبحان الله كم أضفى ذلك الإمتزاج جمالاً يسر له الناظريين ، وغدا سبب وصل بين عوائل لا تتشابه لا في أصل ولا دين!


عند وصولنا الشقة الفندقية التي منحونا إياها في الطابق السفلي من منزلهم استقبلتنا بقية العائلة من أبناء وأحفاد بكل  حفاوة وإكرام، كان يوم وصولنا متزامناً مع عيد مولد ابنة أخي، فأقيم احتفالاً لسببين أحدهما وصولنا ، والآخر بالتأكيد هوعيد الميلاد، كان تواجد تلك العائلة كاملة هو أكثر ما جعل عيناي تتسعان دهشة ، فخلفيتي عن العوائل الأوربية هي أنها لا تهتم بالحياة الإجتماعية، و لا تأبه لا بعائلة ولا أبناء ولا أحفاد! لكن من يسمع ليس كمن يرى ، ويعيش ، ويجرب! فكان الجد هو الحضن الكبير الدافيء لأحفاده ولأبنائه من قبل، والجدة تقدم جل ماتملك فداءً لأبنائها الخمسة وأحفادها السبعة، ناهيك عن أخلاقهم و إنسانيتهم فكأن الضاحية جبلتهم على الفطرة الأخلاقية الصحيحة ! اجتمعنا في الحديقة الخلفية التي بدورها كانت مطلاً لمكان إقامتنا، كان النظر من الشرفة على تلك الجنة مبهجاً جداً ، أحتفلنا هناك و كان الجو جميلاً ،كانت الشمس مسللة خيوطها من بين الشجر، وكان صفاء السماء قد انعكس على صفحة الماء، لن أغفل عن ضحكات الأطفال وشغبهم كيف كان يصدح في كل الأرجاء وينشر البراءة في الهواء، غنينا لأجل الطفلة ” آية” و قدمنا الهدايا ، اختلطت صيحاتنا التي كانت مزيجاً من عدة  لغات في فضاء تلك الحديقة ” العربية – الانجليزية- السويسرية الألمانية” كان مشهداً رائعاً ودافئاً يصلح ليكون بداية فيلم عن التعايش، بدا الإنسجام ظاهراً على كلا العائلتين كما لا يخفى وكأننا كنا نحمل ذات الدين وذات العرق أوأننا نتطابق في العادات أو اللغة ، بالرغم أننا مختلفين تماماً تماماً !  لم يقتصر كرمهم على ذلك، جهزوا لنا مسبقاً برنامجاً سياحياً متكاملاً ، كان ذلك من باب الإكرام أيضاً و برأيي أنه كان كرماً معنوياً أكثر منه مادياً أو وقتياً أو لحظياً على الأقل بالنسبة لي ، فكان بدوري أني كنت أفضل وطوال الوقت أن نظهر كمسلميين دون أن نشوه الدين ببعض عاداتنا العربية – الحضرمية- القبيحة!  كان لنا معهم على تلك الأرض ذات الخطوات ، تجولنا برفقتهم ذات الأمكنة، تصاحبنا في بعض الأسفار دون أن يفقد أحد هويته لأجل الآخر.. ماتعلمته هو لاشيء سوى أنني كنت جاهلة بقدر ماتعلمت في المدرسة، كنت ظالمة بقدر مااقتصرت على ماسمعت ! أأسف أن أغلبيتنا لا يعرف عن المجتمعات الغربية إلا مادرسه من خيالات عابثة هي ذاتها التي نقلت لنا مساويء لا حدود لها عن تلك المجتمعات ،إيحاءات وتصريحات وأعنفها المؤامرة المحاكاة ضدنا، دون ثوابت عقلانية نستدل بها لنتحقق، ما تعلمناه هو مجرد لعبة أو كذبة صدقناها، أنهم الظالمون ونحن لسنا سوى المظلومين،  متوغلة فينا فكرة أنهم يسيروننا حسب إرادتهم ورغباتهم فقط لأنهم ضد المسلمين، زرعنا أحقاداً اخترعتها لنا حالة الضعف المتراكمة منذ زمن، وما كان منا إلا أن اتقنا ذلك الدور “دور المظلوم” ! برأيي بعض المشكلات ناتجة من التعميم (جميعهم – كلهم) تلك العبارات وغيرها هي ما أفسد كل شيء في حياة المجتمعين وأيضاً  الإنغلاق الحاصل بيننا.. فالحقيقة أننا كلنا بشر وكلنا نتحيز لطرف دون آخر بعلم أو دون علم – نزعة البشر- هي رؤية الآخر من خلال المعرفة المسبقة عنه دون المعرفة بالحقيقة كاملة. لكن كما ليس جميعنا حاقداً و كارهاً للغرب، هم أيضاً ليسوا كذلك، فهناك ما يسمى بالإنسانية وذلك ما يغفل الإنسان عنه مع الأسف !!

لن أعمم أن المجتمع الغربي كله كتلك العائلة لكني يقيناً أعلم أنها ليست العائلة الوحيدة أي هي ليست شاذة على كل حال!وإلى اليوم لا زلت أشعر أني ملجمة جداً في وصفها وفي صياغة كلمات الشكر لها،لا أزال فاتحة فاهي فاغراً من وقع الدهشة والجمال الذي لازم أفعال تلك العائلة، كم هي ضائعة  الحروف مني ، و لا شيء سوى شكراً أقولها بإمتنان!!